منصة الصباح

قفار الأفئدة !!

قفار الأفئدة !!
——————-
محمود السوكني

القيم الإنسانية النبيلة لا تباع ، هي نتاج بيئة نعيشها ، وتربية ننشأ وفق ضوابطها وجذور نستقي من منابعها ، ومحيط نترعرع بين جنباته.
هي أخلاق نتشرّبها ، وننهض على آديمها ، فأينما كانت الأرض خصبة والتربة صالحة ، كان الزرع عفيّاً ، والنباتُ طيّباً والإنتاج غزيراً ناضجاً يسرُّ الناظرين وتشتهيه الأنفس.
والعكس بالعكس ، فإذا ما كانت الأرض جرداء قاحلة ، لا ينبت فيها زرع ، ولا تسري في حجارتها الصماء حياة ، وتفتقد ابسط مقوماتها ، فإنها للفناء أقرب وللعدم مرتعا ومقاما.
والبشر لا يختلفون في ذلك عن حال الأرض ، فكلاهما يقوم على أساس مقوماته وينهض بالظروف التي أحاطت به ، وكونت حالته ، وشكلت ملامحه ، فإما أن يكون نافعاً صالحاً ذو تأثير إيجابي على محيطه ، وإما أن يكون طالحاً تأثيره سلبي على من يخالطه أو يحتك به على نحو ما ، يضر ولا ينفع وقد يكون غيابه أفضل من حضوره !
نماذج عدة تلتقيها ، وتحسب انك تعرفها ، وتفاجأ بجهلك بسماتها عند أول منعطف وفي مواجهة أي موقف ، فإذ بتلك النفس الدفينة تفصح عن لؤمها ، وتلك الابتسامة المصطنعة تكشر عن أنيابها ، وتلك النظرة الحالمة تستحيل شررا يتطاير وحمماً تُقذف !!
الحياة مواقف ، ولأنها كذلك فهي المعيار الحقيقي الذي تختبر على محكه العلائق الإنسانية ، فلا ينفع أن تلتقيني باسماً ، وأن تضمني حاضناً ، وأن تمطرني بسيل من كلامك المعسول ، وأنت تصطنع ذلك ، وتؤدّيه بحرفيّة الممثلين ، ولا تحمله صدقا في داخلك ، ولا تضمره حقيقة في نفسك ، بل هو دور تلعبه لتسليك شؤونك وتحقيق أغراضك والوصول إلى غاياتك ، اختلفت أو تساوت ، عظمت أو دنت ، تخصك أو تخص غيرك ، هي مصالح تحكم العلاقات التي انتفت عنها صفة البراءة وسادها الغرضية وتملكتها المنفعة.

كثيرون هم من ترتبط معهم بوشائج تحسبها نقية صافية ، فإذ بها أبعد من ذلك عند المواقف القدرية التي تصدمك بمعادنهم وتكشف حقيقتهم ، وتفضح أساليبهم وتسقط أقنعتهم ، لتظهر وجوههم الكالحة ، وتبرز نفوسهم المريضة البائسة .
هل هو زمن المادة التي طغت على كل شيء؟!
أم أنه عصر السرعة الذي لا يؤمن بالمشاعر ولا تعنيه العواطف ؟!
أم هي بلادة الأحاسيس وقفار الأفئدة ؟!
قد تكون هذه أو تلك ، أو قد تكون كلها مجتمعة ، وفي المحصلة فأنها نذير شؤم لبداية حياة مذاقها علقم ، نهارها مظلم ، وهواءها خانق وسحبها غائمة لا غيث فيها ولا رجاء .
قد أوصم بالتشاؤم ، ولكنها الحياة وما علمتني عند الشدائد التي عرّفتني بمن كنت أحسبهم إخوانا فإذ هم أبعد ما يكونوا عن ذلك ، بل هم إلى الأعداء أقرب ، بما صنعوا من دسائس ، وبما حاكوا من مكائد , وبما أتوه من أفعال يخجل الشيطان عن ارتكابها ويربأ بنفسه عن فعلها !!

شاهد أيضاً

الـولاء للـــوطن

مفتاح قناو لا يمكن للمواطن الليبي العاشق لتراب هذا الوطن أن يكون شيئا أخرا غير …