جمعة بوكليب
زايد …ناقص
أخيراً، بعد سنوات طويلة جداً من اغلاق المكتبات العامة، وتحويلها إلى مخازن، وبوتيكات ملابس، وإلى مطاعم ومقاهٍ، كتب الله لنا، أن نشهد مؤخراً حفل افتتاح مكتبة عامة أهلية، تأسست بجهود فردية، في واحد من أحياء طرابلس القديمة وأجملها- حي الظهرة.
المكتبة الجديدة تحمل اسم ابن من أبناء الحي، أصبح واحداً من أهم عمالقة كُتّاب القصة القصيرة في ليبيا والعالم العربي، وواحداً من عمالقة رجال ونساء القانون في بلادنا، وهو الكاتب والمحامي المرحوم كامل حسن المقهور. ومن حقنا أن نحتفل بالمناسبة، ومن حق ابنته الكاتبة والمحامية عزة كامل المقهور، وفريقها الصغير من المساعدين، الذين حوّلوا الحلم إلى حقيقة، الفخر بذلك.
منارة علم وثقافة تشيّد بصمت في زمن قصير نسبياً. وبيتٌ عائلي تحوّل إلى مكتب قانوني، وبعد وفاة صاحبه، تجرأت ابنته وحوّلته إلى مكتبة عامة، وأنفقت من مالها الخاص ومن وقتها وجهدها الكثير. وبمساعدة مجموعة صغيرة من الأصدقاء، وبعزم وتصميم، تمكنت من تحويل البيت العائلي والمكتب القانوني سابقاً إلى منارة علم وثقافة، أي إلى مكتبة عامة، يرتادها الصغار والكبار، وجعلتها صدقة جارية على المرحوم أبيها، وهدية ثمينة قدمتها، بودٍ وبحبّ، إلى جيل من أطفالنا وشبابنا لم يروا في حيواتهم مكتبة عامة، وبعضهم لم يسمعوا بواحدة. وهو انجاز لم تستطع وزارات التعليم والثقافة، في مختلف الحكومات الليبية تحقيقه. ولكم تمنيت على الصديقة الكاتبة والمحامية عزة المقهور توجيه دعوات إلى المسؤولين في الوزارتين وغيرهم من المسؤولين في الحكومة لحضور حفل الافتتاح: لعلهم يرشدون.
من كان يتخيّل أن تخلو مدينة يسكنها قرابة 3 ملايين نسمة من المكتبات العامة، وهي من كانت يوماً تزخر بالعديد منها في كثير من أحيائها؟ من كان يتصور أن يأتي زمنٌ تلغى فيه مادة المكتبات من المناهج المدرسية، وتُنهب فيه كتب المكتبات المدرسية التي كانت موجودة، وتتحوّل مقرّاتها إلى فصول أو مخازن مدرسية؟ من كان يظن أن يأتي زمن على طرابلس عاصمة ليبيا، لا يعرف فيه الأطفال فيها مكتبة عامة، ولا يرتادون مكتبة عامة، ولا يجلسون في مكتبة عامة، محفوفين بالأمن والأمان، ومحاطين بالكتب، يقرأون في صمت باستمتاع؟
مطاعم الكباب والمقاه والبوتيكات التجارية ربما تعدُّ ضرورية ومهمة، إلا أن انتشارها المريع في كل الأحياء، كان على حساب أشياء أخرى لا تقلُّ عنها أهمية، إن لم تكن أهم.
العقولُ أيضاً لها بطون، وفي حاجة إلى غذاء فكري ومعرفي وعلمي. العقول كذلك لها عورات في حاجة إلى لباس العلم والمعرفة والثقافة والأدب. والطفل الذي يولد ويتربي في بيئة على خصومة مع الكتاب ومع المكتبة، ينشأ في عزلة عن عقله ووجدانه، ويعيش محروماً من واحد من أهم ابداعات الحضارة البشرية.
المكتبة الجديدة والأنيقة تقع في منطقة الظهرة، في شارع خالد بن الوليد، قبالة مبنى مدرسة الظهرة الابتدائية. وهي مفتوحة الأبواب وترحب بالجميع. تحتوي على قسم يضم كتب الأطفال والناشئين، وعلى قسم للمتخصصين في القانون يضم كل ما تركه المرحوم كامل المقهور من مراجع وكتب قانونية، وعلى قسم للادب والثقافة، يشتمل على المكتبة الادبية الخاصة للمرحوم كامل المقهور، وما تبرع به الأصدقاء والأدباء من مكتباتهم الخاصة. الأجواء بالمكتبة ودية جداً.
صالات القراءة مزدانة بأرفف خشبية جميلة، وبمناضد وكراسٍ، ومكيّفة. وهذا لعلم من يودون الزيارة، والاستمتاع بالقراءة.