منصة الصباح

قراءة في قصيدة “لا توقظ الأموات” للشاعرة التونسية سامية ساسي

كتب / مهنَّد شريفة

إنّي أُصغي لندائك …

لا توقظ الأموات ..موج شعريّ لا يخذل أحدًا يرتدّ إلى اليابسة ويعود بسرّ الأمان بهذه السحريّة الفذة تطوينا الشاعرة سامية ساسي في جيوب دهشتها من خلال رائعتها « لا توقظ الأموات « للدرجة التي نتساءل فيها هل يسمعنا الأموات ومَن مِن حقه أن يتهكم على الآخر ؟!

« الممرضة تُصرّ على تغيير

ملاءات سريري البيضاء بنفسها «

عبر مدخل شريان هذا القدر تسرق الممرضة بياض الهواء كي تتوضأ برائحة شفاء ما ..إنها ترنو لفك قسوة القسوة لسان حالها يهمس موطئكِ ليس على صدر السرير يا هذه فرّي النافذة أمامك..لكنّهم طردوها ونُبذ وقع صوتها من الردهات المكتظة بإحتمالات النهاية ، فإختاروا لها الصباح كبداية هشّة…

« تم طردها هذا الصباح من المشفى

بتهمة سرقة أزهارٍ من غرف المرضى

وإزعاج الموتى »

حين مُنحت بداية مجهولة إتكأت على ذاتها لتتذكّر حكاية الوقت الذي انتشر بين أزقة اللحم المفتوح

« البارحة، حدّثتها عن الرائحة الضيقة

للشَعر في جسدي المفتوح

حدّثتها عن بكاء أطفال في راحتيها

عن مضاجعة الأموات التي لا تؤذي الأموات»

هل علمت ربما أن الأطفال صاروا طفلة لم تحمرّ وجنتاها حينما هتفت بلائمتها على المطر « ألا نزل القطر « ..تباعًا تجرّنا شعرية سامية حفاةً برؤوسٍ يَبلوها البللُ نحو حفل إستعراضي نراه يركض بنا في شوارع السماء …نتحسّسه على أفخاذ الزمن المجهول ولا نعلم لِمَ نُصدّقه فوق ثدي أنثى تحبل بالغد …

« عن الركض حافية بين المشرحة وغرفة العمليات

عن فخذ الراقصة المجهولة، دماغ الشاب

ثدي الحامل، صدر الطفلة المثقوب «

بيد أننا سرعان ما نُكذّب ذلك كله بقصائد شاعر ملعون ونُقطِّع بمشرطه الزغب الغافي وسط قدرية الجسد الذي لم يُواري خيباته ، هنا تُميط لنا سامية المواربة عن خبايا اللغة فهي تتخطى مسألة التلاعب التقليدي بالألفاظ، إنها تُنبت للغة أذرع وأقدام لتمشي على صفحة النهر وتتدارك ما لم يسعفه الزمن0. .

« فجرًا سمعتها تُصلّي

من أجل أجنَّة ينامون في المزابل وبين المراحيض

رُضّع يفقدون ألسنتهم في الملاجىء «

كيف سنملك يومًا أدوات حدسنا وعمق تساؤلاتنا إذا ما تيقنّا أن أحلامنا قد أُجهض ميلادها ..!!

مرة أخرى الصباح يعود بإصرار البياض على تحطيم أقفال الشياطين ! ورجمهم بأيادٍ حانية !

« عُجّزٌ يزحفون على مؤخراتهم إلى بيوت لم تعد بيوتهم

أرامل ، أمهات ، عاشقات يطفن بالمشقى ويرجمن شيطان الموت «

هل حقًا رجع شيطان الموت من حيث أتى ؟ ثم كيف صدّقنا أسطورة الموت بهذا التركيب اللذيذ ؟ يبدو أن اللذة إنطلت علينا بجُرحٍ سابق كما على الشاعرة …! إن بوسع الوطن المفتوح أن يُحصي عدد شهقات الجسد، بلعنة واحدة بعدها ننسى أنَّا مُتنا

« تُحصي الكدمات على جسدي

تلعن المسكّنات اللعينة وطيبة أمراضي الخبيثة

توشوشني لا توقظي الأموات وتختفي «

نُفاجأ أن الأحياء كانوا أمواتًا وإستردوا عافية القول في إثبات أنهم ليسوا أوتار كمان حتى يعتذروا للزهور ويبكوا على القبور …

« يقول شاهد عيان لم يفقد ثقته بالأحياء

إنه يراها في نفس التوقيت يوميًا

تضع أزهارًا على قبر رجُلٍ

وتعتذر لأنها لم تُغيّر ملاءته البيضاء هذه

منذ سنتين وتُحدّثه عن امرأة تركض ليلاً «

لازال في الورقة هامش آخر يسع إعتذارًا يؤجل النهاية، والأسطر المتبقية لديها ما يكفي من الحبر لتستبدل الكفن بفستان زاهٍ …سامية ساسي إننا حسمنا قضية أنكِ حلقة تبحث عنها النبوّة وستلقاها قبل الجميع .

شاهد أيضاً

فرسانُ الاعتمادات

عبدالرزاق الداهش عندما ترمي نحو نصف مليون دينار في حفل زفاف، وعلى قول أخوتنا المصريين …