بقلم / ياسينمحمد
ربما توجب علينا اليوم أن نعيد قراءة الزمن التاريخي الأخلاقي في أبعاده ثلاثية الماضي الحاضر المستقبل وليسمح لي الأستاذ طه عبد الرحمن أن استعير بعض عباراته حول القراءة المحدثة للنص ولكن ليس بالضبط كما يشرحها بل بشكل آخر علينا اليوم أن نقرأ الواقع قراءة محدثة إن آليات الأستاذ طه عبد الرحمن هي آليات جيدة جدا لكن عيبها أنها ارتدت لبوسا فيه الكثير من أثر الصوف .
علينا أن نطرح أرضا وخارج زمن المعركة كل ما قرأناه عن فلسفة الأخلاق وأخلاق الفلسفة والأخلاق المجردة في خزائننا القديمة وأن نبدأ القطيعة معها نمتلئ منها نعم كما يقول الجابري هذا صحيح ولكنها قطيعة الامتلاء ثم الانطلاق أما زمن المسكوت عنه في الماضي عند محمد أركون فينبغي ألا يكون في الماضي بل في زمن الحاضر الأخلاقي المتيبس والاسمنت الأخلاقي الحديث العالم من حولنا اليوم هو تعبيرة ولوحة ومرآة ضخمة عن الأخلاق فلنر في أي شكل نحن من هذه التعبيرة ؟
في زمن الصلاح والأصلح ؟
أم في زمن الرداءة والأردأ وزمن السوء والأسوأ ؟
لقد كان الغزالي ابنا بارا بزمنه ومخلصا له في زمنه اختط الغزالي مشروعا إصلاحيا خاصا بزمنه ووفيا له في كتابه “ الإحياء “ كان كتاب إحياء علوم الدين مشروعه الذي خاطب به المؤمن الفرد وكيف يمكن أن يشتغل داخل إطاره التاريخي والواقعي وكيف يمكن أن يكون مصلحا داخل هذا الزمن.
هوبز أيضا كانت لديه أخلاقه كما تراءت له في زمنه والعقد الذي اختطه أراده أن يكون ميثاقا لزمنه الأخلاقي والسياسي .
اليوم نعلم أ ن الصورة والشكل الأخلاقيين قد تغيرا وأن الأخلاق أصبحت عبارة عما تقدمه الدولة وما تقدمه الشركة وما تقدمه المؤسسة البلدية والمدينة والأقمار الصناعية ما تقدمه الجامعة وما يقدمه المصنع ما يقدمه الكتاب والأدب ورغيف الخبز وقطعة الحلوى ومربع السكر اليوم حين نتحدث عن الهاتف السلكي فنحن كمن يتحدث عن الانحلال الأخلاقي وتدهور القيم التي توصل لها العلم والحداثة في زمن العوالم الافتراضية .
لقد نزلت الأخلاق اليوم عن عرشها في عالم والمثل والكليات لتصبح كائنا نلمسه ونراه كل يوم ونتعامل معه كل ساعة ودقيقة الأخلاق اليوم هي ذلك المصعد في ناطحة السحاب الذي ينقلنا إلى الطابق المائة بلمسة زر وهي الطائرة التي تنقلنا إلى ما وراء المحيطات العودة إلى أخلاق العلم اليوم هي الأخلاق .
لماذا يقودنا سؤال الأخلاق العام والموسع دائما إلى سؤال السياسة ؟
هل الأخلاق هي الإطار العام للسياسة أم السياسة هي الإطار العام للأخلاق ؟
أم يقبع الاثنان داخل إطار واحد يشكل احدهما الأخر ويكونه ؟
ما هو هذا الإطار الواحد الذي يحتويهما هل هو الإطار الديني أم الإطار الثقافي ؟
وعمليا وواقعيا ما يجب أن يطرح كسؤال هو كيف صار بالإمكان تحويل الأخلاق إلى سياسة ناجحة ؟ وبقدر سذاجة السؤال تكون بديهية الإجابة : “العالم الغربي نموذجا “ القاطرة الغربية وضعت على دواليب السؤال الأخلاقي فصار بإمكانها تحقيق مشروع أخلاقي مجتمعي في رحلتها نحو التقدم .
اليوم الإجابة عن السؤال الأخلاقي هي مفتاح الوصول فقط عبر إجابة السؤال الأخلاقي المطلوب يمكن أن نذهب بعيدا في الإجابة عن السؤال المعرفي والعلمي وكذلك الاستقرار السياسي وبالتالي إلى سيطرة واقعية على عالمنا الإنساني.
ولماذا اليوم يجر السؤال الأخلاقي من بعده عشرات الأسئلة ليس اقلها إحراجا اليوم لماذا هم وليس نحن ولماذا يعيش الغرب زمنه الأخلاقي الحقيقي كما أراد له بينما لا نزال نقبع تحت تأثير ما أسميه “ الوهم الأخلاقي “ التاريخي وذلك الخذر اللذيذ كخير امة وحلم الأخلاق الذي أنسانا حتى ألف باء الأخلاق الفطرية .
اليوم حين أرتدي الثياب فإنني أحمل معي زمن الغرب الأخلاقي حين أشاهد التلفاز تكون اختياراتي هي زمن الغرب الأخلاقي حين تبهرني شوارع باريس ولندن وأتيه في الأبعاد الثلاثية لمدن ناطحات السحاب فإنني أتيه برغبة وحب في الزمن الأخلاقي الغربي عندما احمل المظلة وأسير تحت زخات المطر في شوارع الأوحال والأتربة وبرك المياه لا شيء يعزيني إلا الحلم بأنني سأحمل مظلتي يوما في عاصمة ما من عواصم الأخلاق حين تصبح كل مدينة محطة وواجهة زجاجية ومعرضا للأخلاق حين تصبح كل قرية وكل حياة مدرسة للأخلاق.
حين يقفز الفقراء بحرا شمالا وغربا مخاطرين بالموت فبرأيكم لماذا ؟
هل هو الفقر هل هي البطالة هل هي الحرب هل .. هل .. ؟
الجواب هو ببساطة الزمن الأخلاقي الغربي اليوم.
اليوم وبنظرة عامة إلى كافة الدول العربية وبدون تحديد ونرى كيف تقف عجلة التطور أو أنها لا توجد أصلا ونرى كيف يدمر الجميع الجميع نعرف كيف يجهز الجميع على زمنهم الأخلاقي الذي أفسدته رطوبة التاريخ ولن يعود بإمكاننا أن نلوم أولئك الذين يختارون العيش في زمن أخلاقي آخر ويصوتون لصالحه .