من المتوقع أن تشهد الدولة الليبية موجة تسونامي من قضايا مُتعلقة بتعاقداتها الإدارية، مع الإشارة إلى أن حجم القضايا المرفوعة حالياً ضد الدولة سواء في ساحات القضاء أوفي ميادين التحكيم ليست بالقليلة، والحديث يدور عن تعويضات قد تتجاوز خانات أرقامها الأربع والخمس والست خانات.
فهل يا ترى هناك من يستطيع أن يُقدم إجابة دقيقة بعدد تلك القضايا ويعرف بشكل مُفصل مكامن القوة ونقاط الضعف في موقف الدولة الدفاعي؟
فمع كامل الاحترام والتقدير للجهود المبذولة من الإخوة سواء في إدارة قضايا الحكومة ،أو في الجهات الحكومية المرفوعة ضدها تلك القضايا يظل حجم المعركة اكبر من إمكانياتهم، والموجة اكبر من قدراتهم، خاصة في غياب تنسيق مُشترك واضح وعدم وجود دفة واحدة تقود المعركة، ما قد يدفع للتساؤل عن العُدة والعتاد التي جهزتها الدولة الليبية لذلك النزال خاصة أمام تحشيد أدوات التنفيذ المُتعاقدة مع الدولة الليبية وارتباطها في تكتلات واتحادات بهدف مواجهة الدولة صفا واحداً، هذه الدولة التي مزقتها ويلات الصراعات ونهش جسدها أباطرة الفساد، ويكاد سرطان الإهمال وفيروس التسويف أن يُجهز على الرمق الأخير بها.
وتكتنف الضبابية نوعا ما كيفية إدارة مشهد التعاقدات الإدارية التي ترتبط بها الدولة الليبية في البرنامج التنموي بقيمة تناهز المائتنى مليار دينار لعدد يربو عن العشرين ألف عقد.
فمع أن الحكومة وعلى مختلف مُستوياتها ما نتـئت تُكرر الدعوة تلو الدعوة لأدوات التنفيذ المتُعاقدة معها من أجل الرجوع لاستكمال المشاريع المُتوقفة، إلا أن تلك الدعوات تحتاج أن يسبقها عمل جاد لبناء جسور تستطيع أدوات التنفيذ أن تعبره للرجوع، ويُمكن في هذا الصدد التساؤل: ما هي الخطوة التالية المُفترض القيام بها بعد رجوع الشركات؟! هذا إن كان لأدوات التنفيذ رغبة في الرجوع.
حيث أن بعضاً من تلك الشركات أصبحت تطلب إقفال ملفاتها في الدولة الليبية لعدة أسباب يمكن معرفتها بمراجعة الأجهزة الحكومية التي قُدمت لها تلك الطلبات.
تلك الأجهزة الحكومية التي طلبت مراراً وتكراراً ولمدة تجاوزت العشر سنوات من مجلس الوزراء بمُختلف مُسمياته إجراء تعديلات وتصحيحات لآلية التعاقد الإداري المُتمثلة في لائحة العقود الإدارية بدون جدوى، فهذه اللائحة بمثابة أداة صنعتها الحكومة وقدمتها لأدواتها المتمثلة في أجهزتها الحكومية لتعمل بها.
ليكتشف من يعمل بها أن هذه الأداة تحتاج إلى مُعايرة وإعادة ضبط لكن دون جدوى حيث يبدو أن هذه المذكرات والتقارير ضاعت في دهاليز البيروقراطية.
وبخصوص عودة أدوات التنفيذ على الدولة أن تعي أنه من غير المنطقي أن يُطلب من أدوات تنفيذ تعاقدت على تنفيذ مشاريع قبل عقد من الزمن وأحيانا أكثر أن ترجع للعمل وتستكمل التنفيذ بذات الشروط.
كما أنه من غير المقبول أن يُترك مُعالجة ذلك الوضع للجهات المُتعاقدة كونها عديدة وتتفاوت فيها القدرات وتتباين بها الإمكانيات سواء المادية أو البشرية وقد تختلف فيها النوايا، هذا مع أهمية الأخذ في الاعتبار ما يرد في ملاحظات وتقارير الجهات الرقابية بأن هناك قصور تاماً لدى أغلب إدارات وأجهزة الدولة من حيث الإلمام بالقوانين والتشريعات واللوائح المنظمة لإجراءات التعاقد، ليعني أنه صار لزاما على مجلس الوزراء أن يأخذ على عاتقه القيام بهذا الدور.
إن موضوع المشاريع المُتوقفة ملف شائك لا يتسع المقام للاستطراد لتناول جميع جوانبه لكن يبقى من المهم التطرق إلى بعض النقاط والتي لا تحتمل التأجيل ومنها الدفعات المُقدمة.
وقد لا يكون من الصعب التكهن بإجابة تساؤل حول ما إذا كان هناك من يستطيع أن يُقدم إجابة دقيقة لقيمة الأموال المُسحوبة كدفعات مُقدمة للمشاريع التي تم التعاقد عليها مُقابل خطابات ضمان مُعتمدة على تواريخ مُحددة بحيث أن تلك الخطابات وإن كانت ضامنة للأموال المُسحوبة.
إلا أن ذلك الضمان مُرتبط بتاريخ معين بانقضائه قد تصبح الورقة لا تساوى حتى قيمة الحبر المكتوبة به.نقطة أخرى من المهم التطرق لها وهى الأساس القانوني الذي ستُبنى عليه رحلة العودة لاستكمال تنفيذ المشاريع المتوقفة.
هيثم الدغري