منصة الصباح

فَخَارْ يَكَسِرْ بَعْضُهُ

باختصار

لكل رياضة جمهورها الذي يعشقها ويستمتع بها، لهذا فإنه من الطبيعي جداً أن نجد من يشجع فريقاً بعينه أو فرقاً بعينها دون سواها، لكن هذا التشجيع والميل يجب أن لا يكون إلا في إطار التنافس الذي يقبل بنتائجه الجميع الخاسر قبل الفائز، لكن قد يحدث ما لا يمكن التحكم فيه، وهو أن تتحول تلك الجماهير المشجعة إلى جيوش مدججة بالحماس غير المعلل فتضرب كل من يأتي أمامها سواء كان من مشجعي الفريق المنافس أو من رجال الأمن.

وإذا ما نظرنا إلى أسباب الشغب والعنف الرياضي المنتشر في دول العالم –وليبيا ليست استثناءً- لوجدنا أنها متعددة ومتنوعة، إذ سنجد بين صفوف الجماهير المشجعة لأي فريق متعصبون ومتزمتون لفرقهم، وتزداد حدة تلك العصبية في المباريات التي تكون فيها الفرق المتنافسة متقاربة في مهارة لاعبيها، أو عند هزيمة فريق ما أمام منافسه، عندها فإن ما يسمى التنافس ينعطف إلى مرحلة الصراع، ولا يهم إن كانت بدايته من اللاعبين نتيجة للاحتكاك الجسدي أثناء المباراة، أو يبدأ من تلك الشريحة المتعصبة من جمهور المشجعين التي يصعب التحكم في ردة فعلها تجاه ما يحدث في الملعب أو خارجه.

والجمهور الليبي ليس استثناءً عن كل مشجعي الفرق في العالم، لاسيما جماهير الأندية الليبية الكبيرة -سناً وجمهوراً- والتي لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة، كما أنه ليس جديداً علينا أن نرى شريحة من الجمهور تلك الأندية متعصبة إلى حد كبير، وحتى وإن كانت لم تصل إلى حد العنف الجسدي، لكنها وصلت للعنف اللفظي… فمن منا لم يسمع بتلك الأغاني المتنمرة التي يرددها المتعصبون من المشجعين على الفرق الأخرى والاستهزاء بلاعبيها أو بأطقمها الفنية؟.

لكن ما حدث خلال الأيام الماضية مع ناديي الخمس والأخضر الرياضيين أمر مؤسف للغاية، ومسيء لكل الليبيين، وسابقة لم نكن نتوقع حدوثها، فقد كنا نظن أن الرياضة ستوحد الجماهير الليبية وإن حاولت السياسة تفريقهم، كنا نظن أن وعي الشباب وصل إلى درجة أن يهنئ المشجعين بعضهم بعضاً الفائز وذاك الذي لم يحالفه الحظ… لكن خاب ظننا عندما رأينا ألسنة اللهب تتصاعد في حافة تنقل فريق الخمس، وصدمنا بما حدث لفريق الأخضر… فإذا كان العنف مستشري بين المشجعين بهذه الكيفية، فما فائدة وجود الأندية في الأساس؟، أو ليست من أهم أسباب وجود الأندية الرياضية هو توفير مساحات للشباب لتفريغ عنفوانهم وطاقتهم فيما يفيد الروح والبدن معاً؟، أو ليست الرياضة هي من تحسن المزاج وتهذب النفس البشرية؟.

فإذا كانت الرياضة تفعل كل هذا وأكثر في النفس البشرية، لكنها وقفت عاجزة عندما تعلق الأمر بالنفس الليبية، فما فائدة وجود هذا الكم من الأندية الرياضية في البلاد؟ أم أن الحل في تحويل بعض تلك الأندية إلى ساحات لممارسة رياضة الصفع الشعبية إسوة بما هو موجود في الهند وباكستان؟ ونخصص بعضها الأخر إلى حلبات للمصارعة الحرة… لكن بحكم خصوصيتنا كليبيين فلتكن مصارعة جماعية حرة…. ولنفتح الباب على مصرعيه أمام الجميع للمشاركة… عندها فقط سنسمع عبارة: فخار يكسر بعضه… من الأعداء والشامتين والحاقدين على الليبيين… فهل هذا ما يريده رعاة الشغب والعنف الرياضي في ليبيا؟.

بقلم: د. علي عاشور

شاهد أيضاً

يعطي بنته ويزيد عصيدة

جمعة بوكليب زايد ناقص لم يكن في حسباني، يوماً ما، أنني سأتحوّل إلى كاتب مقالة …