جمعة بوكليب
زايد… ناقص
رُعاة قُطعانِ الغَمام غير رُعاة قُطعانِ الأغنام. الإختلافُ بَيّنٌ، والهُوَّةُ بينهم لا يمكن تجسيرُها بحيلةٍ هندسية، أو لغويًّا بفعل متعدٍّ.
رُعاةُ قطعان الغمام لا يحتاجون عِصيّاً يهشُّون بها على قطعانهم، ولإنتفاء وجود ما يخشَونه عليها من ذئابٍ أو ثعالب أو ضِباعٍ أو لصوص. وعلى عكس رعاة الأغنام، يَترك رعاةُ الغمام لقطعانهم حرّيةَ اختيار المرعى، وليس عليهم سوى اقتفائها بأنوار بصائرهم. الاطمئنانُ يجعلهم في غِنًى عن كلاب الحراسة، كما أنهم ليسوا في حاجةٍ إلى توسيم قطعانهم؛ لأن أهل اللغة قالوا قديماً: “المَعْرُوفُ لا يُعرَّف”. والتوسيمُ صفةُ المملوك، وليس صفةَ الحرّ.
قطعانُ الغمام، بطبيعتها، ترعى على مهلٍ أو على عَجَل، وفق مشيئة الرياح وهَواها. وتتنقّل بين المراعي غير عابئةٍ بالحواجز والموانع على اختلافها. تتآلف مع البُروق وتستأنس بقصف الرعود، ويُقال إنها تنفر من عَسْف الأعاصير.
قطعانُ الغمام حُرّةٌ طليقة، صاحبةُ أمرها، لا يمكن اكتراء رُعاةٍ لها؛ إذ من يكتريهم؟ رُعاتها متطوِّعون. ومثلُها أحرارٌ؛ يأنفون من التوسيم، ويَنأَوْنَ بأنفسهم عن صحبة ورفقة الكلاب. هم فئةٌ مميّزةٌ جدّاً، وضيقةٌ جدّاً، من أناسٍ مُصطفَين، آلفوا العزلة وآلفتهم. واقاموا في عوالمهم، مفضلين صحبة قطعان الغمام،لتصد عنهم الوحشة. يأتون متطوعين لمرافقتها ومصاحبتها، مستمتعين بالتنقُّل وراءها من مرعى إلى مرعى.
رعاةُ الغمام ليسوا كرعاة الأغنام. إنهم لا ينتظرون جَزءاً ولا يتوقّعون شُكوراً. مكافأتهم في الرحلة ذاتها؛ في حرّية انطلاق الخيال وتوهّجِه كالشعراء. إذ بينما ينشغل رعاةُ الأغنام في الأرض بإحصاء قطعانهم وحمايتها وتشييدِ الزَّرائب والحظائر حولها، يظلّ رُعاةُ الغمام أحراراً، لا تُثقِلهم وتُقيّدهم أصفادُ وقيودُ الملكيّة. إنّهم سادرون في حرّية وجمال خيالهم. قلوبُهم مشدودةٌ إلى قطعانهم وهي ترتعي في مراعي سَمواتٍ، على مدى البصر اتساعاً، حيث السيادةُ والحرّيةُ لمن لا يملكُ شيئاً، ويملكُ في الوقت ذاته نفسَه. وهذا – لدى كل من يهوى رعيَ الغمام- كلُّ شيءٍ وأثمنُ شيء.
منصة الصباح الصباح، منصة إخبارية رقمية