منصة الصباح

في رحاب الصمت .. مع سليمى السرايري

محمد الهادي الجزيري

 

عرفت الساحة الشعرية العربية في العقد الأخير أسماء كثيرة ومواهب شتّى أدلت بدلوها في الكتابة الإبداعية ، أذكر من ضمنها سليمى السرايري ..هذه الطاقة الطيبة المجتهدة، فإلى جانب امتهانها الكتابة الشعرية وإصدارها سنة 2009 ” أصابع في كفّ الشمس ” ومشاركتها في كتاب بعنوان ” حديث الياسمين ” ضمّ 45 شاعرا وشاعرة، تعبّر عن لواعجها وحرائقها بالرسم كذلك فهي فنانة تشكيلية..ولها طاقات أخرى كالنحت على الخشب ..وذلك حديث يطول..المهمّ اليوم بين أيدينا مجموعتها الصادرة عن دار ميارة للنشر والتوزيع في 128 صفحة..وتضمّ جزءا أوّل بعنوان : أبواب أعياها القدم ..ويحتوي ثمانية نصوص..، وجزءا ثانيا بعنوان: فواكه العشق..ويحتوي سبعة نصوص……

هل قلتُ أحبّكَ؟

هل قلت لا قافلة ترحل إلى ترابي دون نبعك؟

ما معنى قصائدنا إن غرّبتنا حروف بلا ضحكات؟

وسكنتنا تراتيل البداية؟

آه لو تعطّرنا بطيب الغجريات

هل كنّا خلقنا حكمة جديدة للعشاق؟

تنهال علينا منذ البداية بشتّى الأسئلة المحرجة والمربكة.. ولا إجابات لها بالإيجاب أيّ أنّها الجواب فهي تحبّه ولم تعرف الحبّ سوى معه..، وليس لها قافلة تسافر إلى جغرافيا لا يسيل فيها نبعك ..، وهكذا تجدنا نطرح السؤال طور السؤال ونحن نعرف الإجابة..، هكذا هم الشعراء لا يجيدون سوى العبث بنا ..ليس من أجل إرهاقنا ودفعنا للبحث عن سبب ما لأسئلتنا المتتالية ..بل لغاية لكلّ واحد في نفسه..ولعلّهم حكمة جديدة للعشاق..لعلّلهم….

تصدّى الناقد التونسي مراد ساسي لهذه المجموعة بالبحث والدراسة ..وممّا ورد في كلمته المتصدّرة للكتاب : ” منذ الوهلة الأولى لقراءة نصّ سليمى السرايري، يشعر المتلقّي وبإدراك أنّها انتقت حروفها بعناية ودقّة بما يتماهى ويتناغم مع حيثيات الجمل الشعرية المتسمة بحزمة رؤى كثيفة ومتنوعة،إضافة إلى نبرة اللغة الشعرية المتسللة وفقا لما يجول في خاطرها وعلى نحو متأمّل فطن وحذر من الإفراط في جمل مطاطيّة مستهلكة إن صحّ التعبير…

هي النوافذ أعيننا الحالمة

الممرّ الذي يؤدّي إلى الفراغ

الهباء الذي يلفّ أصابعنا الآثمة

وحدها… حفرت جبّا في الروح

في قصيدة ” أنا آخر أنثى بلوريّة ” تصدح سليمى بالبوح وتقول تفاصيل الحبّ والشوق وتعترف بكلّ شيء ..وتكاد تسمّي محبوبها إلاّ أنّه جنوبيّ مثلها وتعرف كيف تصل إليه رغم الحواجز وارتباك الأنثى وحيرتها أمام جماله .. تنطلق من وجهه وهو عنوانه المنشود ثمّ تلسعنا ببرودة العام الذي لا تذكر متى مرّ بها أو مرّ بوجهه النائي البعيد..، ثمّ تطفح بالبوح العلني الصريح حين تذكر سنوات انتظارها له منذ أسّست مدن العشق..وتمضي الشاعرة في اعترافها إلى أن يجفّ القلم

….

وجهه هناك…

فوق ليالي السنة الباردة

يُنشد أغنية من فضّة الجنوب

كم انتظرتُ وجهه صحوا

منذ أُسّستْ مدن العشق..

ضحكته الغريبة، كعصفورة صباحيّة

تؤلّف أغاني أبدية

تعلمني كيف أفتح المدى للبحر

كيف أصنع من دمعاتي المبلّلة بالضياء نجمات

كلّما أحببته أضيء أكثر..

وكيف من أوراقي أصنع سفنا تحملني إليه..

وأحسن ما نختم به قراءتنا لمجموعة ” صمت…كصلوات مفقودة ” آخر ما جاء في إضاءة للشاعر والناقد السوري صادق حمزة منذر…حيث قال:

” هكذا رسمت سليمى السرايري ملامح بطلة ديوانها المبدع إنّها أنثى حملت كلّ معاني الثورة على واقعها الظالم وخاضت كلّ ملاحم الحبّ لتصل إلى نور بقي داخلها عمرا مضاعفا لتضعه على ورق الحقيقة في تقرير مدهش عن كلّ تفاصيل رحلة فنتازية للبحث والوصول إلى جنّة مقترحة ربّما كانت تفوق الحلم والخيال وتضيق بوصفها الحروف”

 

شاهد أيضاً

كتاب “فتيان الزنك” حول الحرب والفقد والألم النفسي

خلود الفلاح لا تبث الحرب إلا الخوف والدمار والموت والمزيد من الضحايا.. تجربة الألم التي …