في بيت جويس
___
مفتاخ قناو
في الصيف الماضي قادتني الأقدار إلى زيارة مدينة ترييستي الايطالية، حيث تدرس ابنتي في جامعتها للحصول على درجة الماجستير في الهندسة، وقد كانت معلوماتي عن المدينة ــ قبل الوصول إليها ــ قليلة جدا، لكن المدهش أن المدينة تزخر بكمية كبيرة من القلاع والحصون والكاتدرائيات والمباني ذات النقوش الفاخرة، على مختلف أنواع العمارة المعروفة منذ العصور الوسطى، وسبب هذا التنوع المعماري هو موقع المدينة الهام، حيث تقع المدينة عند التقاء مجموعة من الثقافات اللاتينية و السلافية واليونانية والجرمانية، وفيها أيضا تلتقي أوروبا الوسطى مع البحر المتوسط.
ازدهرت المدينة في عصر الاحتلال النمساوي، حيث أمرت الإمبراطورة النمساوية ماريا تيريزا ببناء الأحياء الجديدة الراقية في قلب المدينة، والتي أصبحت في عهدها المدينة الرابعة في الإمبراطورية ــ من حيث الأهمية ــ بعد فيينا وبودابست وبراغ، ومن أسباب هذه الأهمية أن ترييستي كانت المنفذ الوحيد للإمبراطورية النمساوية المجرية على البحر المتوسط، وقد تم بناء خط سكك حديدية بينها وبين العاصمة فيينا في وقت مبكر عام 1857م، كما أصبحت المدينة رائدة في مجال التجارة البحرية، وقامت فيها قاعدة بحرية لبناء السفن.
أثناء تجوالي في قلب المدينة التجاري التقيت مصادفة مع تمثال معدني بالحجم الطبيعي للكاتب الايرلندي المعروف جيمس جويس صاحب رائعة (يوليسس) يقف منتصبا على ضفة القنال البحري وسط المدينة، سألت نفسي ماذا يفعل هذا الايرلندي هنا ؟ وما علاقة أعماله بمدينة ترييستي ؟
جاء جيمس جويس إلى ترييستي في زمن كانت فيه المدينة مزدهرة، وهي الميناء الهام للدولة النمساوية المجرية القوية، وفي المدينة كتب الفصل الأول من روايته يوليسس قبل أن يرحل عن المدينة وقد حققت يولسيس انتشارا لم تحققه أي رواية أخرى، فقد اعتبرها النقاد نقلة كبيرة في كتابة الرواية، فقد كانت الرواية يشكلها القديم مختلفة كثيرا عن ما كتبه جيمس جويس، الذي كتب يوميات بطله في مدينة دبلن، فأحداث الرواية تقع جميعها في أربع وعشرين ساعة، كتبها بأسلوب تجريبي مختلف وحبكة تحير القارئ.
البيت الذي أقام فيه جيمس جويس في مدينة ترييستي الايطالية لمدة تزيد عن أحدى عشر سنة، تحول إلى متحف يمكن زيارته في أوقات العمل العادية، حيث يمكن مشاهدة مجموعة كبيرة من المقتنيات والصور والأفلام التي تروي أعمال وحياة الكاتب وتغطي بشكل خاص سنوات إقامته في مدينة ترييستي.