جمعة بوكليب
زايد…ناقص
” الربيع من فم الباب يبان” هذا ما يؤكده مثلٌ شعبي، لا يَملُّ الناسُ من ترديده، كلما أرادوا التعبير عن اصابتهم بمشاعر خيبة ألمتْ بهم، وأودتْ بتوقعاتهم. وأنا رجلٌ مُحبٌّ حدّ الشغفِ للأمثال الشعبية، وعلى علاقة ودّية ووثيقة بها، وكأنها وُلدتْ معي، ورضعنا معاً من ثدي امرأة، لا يستطيع فهمها إلا من حفظ الأمثال وأتقنها، ومثلها جعلها لسانه الذي يربطه بالناس، ويخوض به معهم في شؤون الدنيا وتقلبات أحوالها، حتى صارتْ مضرباً للمثل.
الأمثالُ الشعبية يتجسّد جمالها في قدرتها على تلخيص مواقف حياتية معيّنة في كلمات قليلة وسهلة، كمن يقدم لك وجبة جاهزة للاكل. وهي بذلك تقترب كثيراً من خانة الحِكَمْ، لأنها تقدم العِبرَ الحياتية مجاناً، لكل َمن يريد أن يتعلم من تجارب من سبقوه. والأهمُّ من ذلك، برهنت بالتجربة، أنّها، في أغلب الأحوال، سهمٌ لا يخطيء هدفه.
فصلُ الربيع هذا العام، لم يبنْ بعدُ في بريطانيا. لكنّه حاضر، منذ فترة طويلة، في نشرات الأخبار. الحربُ في أوكرانيا، حسبما زُعم، سوف يتحدد مصيرها خلال شهوره. وأن أوكرانيا تستعد للدفاع ضد هجوم روسي يتوقع أن يكون هائلاً، وفي حالة تحقيق أهدافه، تكون موسكو قد بلعت كييف، وقضتْ على رئيسها وحكومتها، وأحلّتْ مكانهم رئيساً جديداً، وحكومة تابعة لها مثل كلب مربوط بحبل من عنقه.
وفي الأيام القليلة الماضية، أرسل إليَّ صديق من ألمانيا، عبر البريد الالكتروني، برابط يحتوي خبراً نشرته صحيفة امريكية اسمها ” نيويورك بوست” يتحدث عن احتمال نشوب حرب أخرى، هذه المرّة، أمريكية الصُنع، في منطقة الشرق الأوسط. لكنّ الخبر لم يذكر البلد المحتمل. مؤكداً أن الهدف منها هو تقليم أظافر موسكو والصين في المنطقة، واستعادة أمريكا لمواقعها السابقة. وهناك احتمال أن تقوم اسرائيل بضربة وقائية ضد ايران، وبضوء أخضر من واشنطن. وكل ذلك سيحدث خلال فصل الربيع!
أيام قليلة تفصلنا عن فصل ربيع مختلف وربما مؤلم. لكننا، على ما يبدو، أكثر اهتماماً وحرصاً على توفير مسنلزمات شهر الصوم من بضائع وسلع وحلويات. وانتهز المناسبة لاهنئكم بحلول الشهر الكريم، وكل عام وأنتم بخير، وربنا يتقبل صيام الجميع. لكن المشكلة ليس في حلول شهر الصيام، بل في حلول فصل الربيع، لأن الخطط الحربية صُممت لتنفذ خلال أشهره الثلاثة. فهل حقاً يستحق منّا أن نترقب حلوله؟
هذا العامُ، ليس هناك ما يدل على قرب حلول الربيع في بريطانيا؟ فصل الربيع البريطاني يبدو وكأنه تأجل بقرار روسي. رياحٌ باردة وثلوج وأمطار عمّت بريطانيا قادمة من سيبيريا. الروسُ باجتياحهم أوكرانيا، أحالوا حياة البريطانيين وكل أوروبا جحيماً، بسبب العجز في امدادات الطاقة وأرتفاع أسعار المحروقات وغاز التدفئة. وهاهم الأن يرسلون بالثلوج من سيبيريا، ويؤجلون قدوم فصل الربيع. إنّها الحربُ. الغيوم الكثيفة أكلت صحو النهار، وتحول دوننا ورؤية النجوم ليلاً. ومتابعة النشرات الجوّية، في القنوات التلفزيونية، هذه الأيام، صارت” تغم القلب.” وأضحت مصدر توتر للنفوس، وباعثاً على قلق وإزعاج. وكلما داوم المرء على المتابعة طمعاً في حفنة مُهرّبة من طقس ربيعي مشمس ودافيء، ظهرت على شاشة جهاز التلفاز خرائط طقسية بغيوم وأمطار وثلوج. لماذا؟
الربيع الموعود لم يبنْ من فم الباب بعد، كما وعد المثل. وأنا مازلتُ، واقفاً على عتبة باب داري مترقباً، رغماً عن الثلوج والمطر، في انتظار رصد أول تباشير قدومه. وأتمنّى على الله ألا تطول وقفتي كثيراً، لأنّي بدأت أشعر بوهنٍ يعتري ركبتيَّ من طول الانتظار.