منصة الصباح

فيس – وطن

جمال الزائدي

صارت صفحات التواصل الاجتماعي عالما بديلا وليس فقط موازيا لعالم الواقع ..مانعجز عن انجازه على الأرض نعوضه هنا ، في مقايضة رمزية تحقق لنا إشباعا عاطفيا حتى وإن كان موهوما لكنه على الأقل يحافظ على توازن نفسي هش نحتاجه  ونعض عليه بالنواجذ..في هذه المساحات الافتراضية نكره ونحب ..نصادق ونعادي..نفرح بتفاعل القلب الأحمر ونزعل لأن الأصدقاء لايغدقون علينا  من تعليقاتهم الحميمة..

نعبر عن أيدولوجياتنا وآراءنا السياسية والأخلاقية والفنية وغيرها..نتوافق ونختلف..

تصفق أرواحنا لسماع نغمة رسالة صوتية ع الماسنجر أو حتى أيموجي لوجه باسم..

صحيح أننا هنا نتأذى أيضا كما نؤذي الآخرين  ..ونتألم ونجرح ..بيد أن كل ذلك يجري بعيدا عن اللحم والدم بعيدا عن الوجود الحسي المادي حيث الجرح يمكن أن يعادل الموت  أو على الأقل  يودي بصاحبه لغرفة العمليات.. وحيث الألم كذلك يحتاج لمسكنات قد لايتوفر ثمنها في الجيب..

هناك من لم يعرف الفيس بوك والتويتر ، سوى من حكايات الآخرين..لا أتحدث عن الجدات الأميات والشيوخ المعمرين..بل عن شباب في منتصف العشرين وإن كانت تكسو وجوههم سيماء الكهولة والحكمة والزهد في الفرح والمرح كهذا الشاب الذي يجلس إلى جانبي الآن وهو يحتضن كيسا  قماشيا يحتوي قدرا من النحاس يحمله معه من أجل تبييضه في سوق القزدارة ويحاول صياغة عبارات مناسبة للاعتذار عن إزعاج ما ، يظن أنه مدين لي ولركاب الإفيكو به ..لقد عرفته قبل أن أتحدث إليه..إنه ذات الشاب الذي يمتهن بيع الفول والحمص المطبوخ في الشارع الواسع على مدخل سوق الشيباني المعروف في حينا الكائن بمنطقة أبوسليم..كنت اتصفح عالمي الافتراضي عبر شاشة هاتفي عندما سألتي ببراءة وخجل طفل: – هذا هو الفيس ؟ لم أحر جوابا..أقفلت الجهاز والتفت إليه..كان يرتدي كمامته رغم جهله بالفيس ..وأخذت أسأل الفراغ .. ماذا

ينقص  بين أقرانه في كل بلاد العالم غير وطن حقيقي يحبه ويهتم به..؟

 

شاهد أيضاً

مراجعة وتنقيح الأسعار الاسترشادية لأعمال البنية التحتية

ترأس وكيل وزارة الإسكان والتعمير لشؤون الإعمار بحكومة الوحدة الوطنية عبد المنعم صالح اجتماع لجنة …