منصة الصباح

 فبراير …  الدرس  والعبرة     

حديث الثلاثاء

مفتاح قناو

بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، بدأت مرحلة تحرر دول العالم الثالث من الاستعمار القديم، وتحصلت كل دول المنطقة على استقلالها بطرق مختلفة، منها من كان تحت الحماية الأجنبية.

وقد رحلت عنه قوات الحماية، مثلما حدث في مصر وتونس، ومنها من شهدت استعمارا استيطانيا مباشرا مع إلغاء الحكومة المحلية مثلما هو الحال في ليبيا والجزائر، وقد شَهِدَ البلدان حربا تحريرية ضد الاستعمارين الايطالي والفرنسي .

في بداية الخمسينيات تكونت الدول الوطنية، وفي غياب الأحزاب والتنظيمات السياسية القوية، كانت الجيوش والقوات العسكرية هي الجهات الأكثر تنظيما وانضباطا، لذلك كانت هي الأقرب لكرسي الحكم، حيث تولى الحكم في مصر ضباط حركة يوليو، وحكمت في الجزائر جبهة التحرير الوطني الجزائري، وفي سبتمبر 69 تولى مجلس عسكري السلطة في ليبيا، وقد نجت تونس ــ بشكل ملفت للنظر وبفضل شخصية الرئيس بورقيبة ــ من حكم العسكر، حيث أخد نظام الحكم فيها طابعا مدنيا، اهتم بالتعليم، والتنشيط السياحي، وتشجيع الاستثمارات الأجنبية، الأمر الذي منحه بعد ذلك قدرا مهما من النجاح مقارنة بجيرانه.

بعد مرور أكثر من أربعين عاما على حقبة التحرر الوطني، ومع الفساد الكبير في الدول النفطية، وقلة الموارد المالية في الدول غير النفطية، وصلت الأنظمة الحاكمة إلى مرحلة من إفقار المواطن وإذلاله، إلى درجة حرجة، حيث أصبحت الأجواء مشحونة، وتُنذر بهبوب عواصف تقتلع النظام .

لم يكن غريبا أن تبدأ الانتفاضة من تونس، فهي الأقرب للحكم المدني رغم القبضة الأمنية الصارمة، أعقب ذلك ثورة عارمة في مصر، وكانت الجزائر قد عاشت قبلها عشرية دموية سوداء.

تحرك الليبيون في فبراير 2011 ضد النظام بصدق وعفوية، للتخلص من الكابوس الذي جثم على صدورهم سنين طوال، لكن عيون أخرى كانت تراقب وتشارك في صناعة الأحداث بقصد استثمارها لمصلحتها، إنها دول الاستعمار القديم التي تدخلت لتحقيق كل ما تريد، في دولة أفرغها حاكمها المطلق من جميع المؤسسات الدستورية والمدنية، والأحزاب والجمعيات الأهلية، دولة لم يكن فيها منصب لرئيس منتخب، أو آليات لانتقال السلطة منه إلى غيره من القياديين وقت الحاجة.

لم يهتم رئيس النظام بالفراغ الذي سيتركه حال غيابه عن الساحة، ولم يكلف أحدا من أعوانه أو مساعديه بمنصب يمكن من خلاله إنقاذ البلاد والعباد، بل أعتبر المظاهرات ضد نظامه خيانة عظمى، وكأنها كفر بالله، وإن على من قام بها أن يتحمل وزر السنين القادمة، لم يكن عقله يستوعب ما يحدث، أو كان تفكيره يتناسب مع تفكير رجل دولة يؤمن بحتمية التغيير، وأن الله الدائم الوحيد في هذا الكون.

الدرس والعبرة مما حدث في فبراير 2011م ينبغي أن يعيه الجيل الحاضر لينهض بالبلاد من كبوتها، وبشكل خاص من يتصدى للعمل العام، ويتولى مناصب عليا في هذه الدولة التي لم تستقر بعد، وأن يعمل الجميع على ضرورة تكافؤ الفرص وتحقيق العدالة الاجتماعية والحريات السياسية وسلاسة انتقال السلطة من حكومة منتخبة إلى أخرى منتخبة أيضا، عندها فقط يكون لما حدث في فبراير معنى كبير.

 

شاهد أيضاً

كتاب “فتيان الزنك” حول الحرب والفقد والألم النفسي

خلود الفلاح لا تبث الحرب إلا الخوف والدمار والموت والمزيد من الضحايا.. تجربة الألم التي …