بقلم /إبراهيم تنتوش
لعل الكثير يلوم ما يسمى بالربيع العربي وينعته بأبشع الصفات ويتهم الشعوب التي انتفضت بالتخريب وحاملي أجندات خارجية.
ولمعرفة صحة هذه الاتهامات من عدمها يجب علينا الرجوع إلى فترة ما قبل نشوبها لمعرفة الواقع المرير آنذاك، فالحرية والعدالة في تقسيم الثروات وتحسين الخدمات في كافة المجالات كانت من أكبر من مطالب الثائرين على الوضع السابق.
فالحرية والكرامة الإنسانية كانت شبه منعدمة تحت وطأة ذلك النظام الدكتاتوري الذي جعل من السجون بدون محاكمات ولمدة عقود متتالية ومتابعة المعارضين في الخارج وتصفيتهم جعلها هي الحل الأمثل والإجابة الوحيدة لكل من يطالب بل وتسول له نفسه بالمطالبة بحقوقه كمواطن حر شريف فأجهزة الاستخبارات بكافة أنواعها والسجون السرية والعلنية وصرخات المعتقلين والأرامل والأيتام ودماء الشهداء في غيابات السجون لازالت شاهدة على تلك الحقبة من الزمن والسنين العجاف والأوضاع البائسة التي كان يعيشوها الناس لازالت عالقة في أذهانهم بل ومحفورة في ذاكرتهم ومن الصعب نسيانها.
فسياسة تكميم الأفواه وقص الألسنة هو الأسلوب المتميز لدى غالب حكام العرب وفي ليبيا على الخصوص بطعم خاص ومنفرد على غيره من الأنظمة العربية فالشعب الليبي كغيره من الشعوب العربية التي يئست من المطالبة بالاصلاح الشامل والواسع تحت وطأة هذه الأنظمة ولم يعد لها الأمل في الاصلاح باللتي هي أسلم وأصلح فصاراالشعب كالبركان ينتظر الانفجار والفوران فالشعب يرى بعينه أن الثروات التي هي من حقهم كمواطنين أصبح يراها في أيدى أبناء الحاكم والموالين له فقط يبذرونها على ملذاتهم الشخصية ويتنعمون بها أمام أعين الناس في الوقت الذي يعيش فيه المواطن البسيط يحلم بأن يملك سيارة فارهه أو هاتف نقال من أحدث الموديلات أوه آسف أخي القارئ المواطن أصبح يرى أن ذهابه إلى تونس من أجل الكشف على المرارة من أعظم الانجازات في حين أننا نملك مستشفيات لا أبالغ إن قلت أنها من أكبر المستشفيات في القارة السمراء بدون مبالغة لو وجدت أهتمام من السلطات المعنية.
إذن كما ذكرنا أن سياسة التضييق على الناس وتدني مستوى الخدمات في جميع المجالات (صحة ـ تعليم ـ خدمات عامة ـ …) فالشعب ذاق الويلات تحت ذلك النظام الذي فرض عليه ولم يأت باختياره.
فالعقل السليم يقول إنه لا يمكن لحكومة مختارة من الشعب أن تصل إلى تلك الدرجة من البلطجية والدموية وكتم للحريات والتضييق على الناس في أرزقهم وممتلكاتهم وحرياتهم الشخصية.
إذن فبراير كانت لها أسباب ومبررات واقعية ومنطقية لا يمكن أن ينكرها أحد ، طبعاً لم نتطرق إلى نية السياسي الذي كانت تعانيه البلاد.
فمن يقرأ وينظر إلى التاريخ بتمعن ثم يربط الواقع وساحات صراعه عن قرب سيشتعل في داخله صراع من نوع آخر وينسى بلاده ويراها إنما هي جزء صغير في خضم الصراعات العالمية.
ولعل الذي يمر ببلادنا من صراعات ليس أساسه فبراير قيامها من عدمه بل لعله يرى أننا دخلنا في خضم التدافعات الكبرى وصراع الدول إن لم نقل صراع الحضارات وهنا تنقلب الموازين تماماً فلا يكفيك فقط أن تحافظ على مستوى عالي من الاخلاق النبيلة في معاركك التي لاتختارها أنت لنفسك ولكنها فرضت عليك كالواقع الذي يدور الآن حول طرابلس فما عليك إلا أن تترك فيها بصمتك الاخلاقية واضحة في تلك المعارك ليسجلها التاريخ للأجيال القادمة.
فإلقاء اللوم على فبراير أظنه مخالف للصواب بل قد يكون السبب هو أن الذين قاموا بها لم يكن لهم أي طموح سياسي ولا يوجد لهم كيان مستقل وجامع لهم يتكلم باسمهم ويوضح رؤيتهم للآخرين ولعل هذا السبب هو الذي جعل كل من هب ودب ينال من فبراير ووجدها شماعة لنشر غسيله الفاسد عليها، وأصبح لدينا الكثير من المكونات الصغيرة العاجزة عن منع الضواهر السلبية والتصدي لها لأنها هي في ذاتها من الداخل غير نقية وتأخر من نتوسم فيهم الخير نتيجة للخوف والجبن في نفس الوقت وأنعكس هذا الواقع السلبي على الكثير من الناس ورمي بضلاله على معظم مؤسساتنا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.
ولتجاوز هذه المرحلة لا بد لنا من إعادة ترميم الادراك والمفهوم الجماعي للمسؤولية وتصحيح مفهوم الحق والباطل وفق النظم الشرعية ومن بعدها يتم الاصطفاف وراء مشروع ضخم جداً تتلاعب به دول خارجية وهو العائق الأساسي لمشروع تسوية صفوفنا نحن الليبيين وتنظيمها وهو أكبر بكثير من أن يتم تجاهله وأخيرا أهديك أخي القارئى هذه الابيات.
متفائل واليأس بالمرصاد متفائل بالسبق دون جياد
متفائل رغم القنوط يضيقنا جمر السياط وزجرت الجلاد
متفائل بالغيث يسقى روضنا وسمائنا شمس وصحو باد
متفائل ياقوم رغم دموعكم إذ السما تبكي فيحى الواد
فدع اليهود بمكرهم وذيولهم نمل يدب بغابة الآساد
متفائل بشدى النبي قريبة فغداً سنسمع منطقا لجماد
هذا يقيني وهو لي بل الصدي والكأس غامرة لغلة صادي
فاجعل يقينك بالإله حقيقة وأصنع بكف؛ صارماً لسداد