منصة الصباح

فبراير‭ ‬ثورة‭ ‬شعب

بقلم /إبراهيم‭ ‬تنتوش

لعل‭ ‬الكثير‭ ‬يلوم‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بالربيع‭ ‬العربي‭ ‬وينعته‭ ‬بأبشع‭ ‬الصفات‭ ‬ويتهم‭ ‬الشعوب‭ ‬التي‭ ‬انتفضت‭ ‬بالتخريب‭ ‬وحاملي‭ ‬أجندات‭ ‬خارجية‭.‬
ولمعرفة‭ ‬صحة‭ ‬هذه‭ ‬الاتهامات‭ ‬من‭ ‬عدمها‭ ‬يجب‭ ‬علينا‭ ‬الرجوع‭ ‬إلى‭ ‬فترة‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬نشوبها‭ ‬لمعرفة‭ ‬الواقع‭ ‬المرير‭ ‬آنذاك،‭ ‬فالحرية‭ ‬والعدالة‭ ‬في‭ ‬تقسيم‭ ‬الثروات‭ ‬وتحسين‭ ‬الخدمات‭ ‬في‭ ‬كافة‭ ‬المجالات‭ ‬كانت‭ ‬من‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬مطالب‭ ‬الثائرين‭ ‬على‭ ‬الوضع‭ ‬السابق‭.‬
فالحرية‭ ‬والكرامة‭ ‬الإنسانية‭ ‬كانت‭ ‬شبه‭ ‬منعدمة‭ ‬تحت‭ ‬وطأة‭ ‬ذلك‭ ‬النظام‭ ‬الدكتاتوري‭ ‬الذي‭ ‬جعل‭ ‬من‭ ‬السجون‭ ‬بدون‭ ‬محاكمات‭ ‬ولمدة‭ ‬عقود‭ ‬متتالية‭ ‬ومتابعة‭ ‬المعارضين‭ ‬في‭ ‬الخارج‭ ‬وتصفيتهم‭ ‬جعلها‭ ‬هي‭ ‬الحل‭ ‬الأمثل‭ ‬والإجابة‭ ‬الوحيدة‭ ‬لكل‭ ‬من‭ ‬يطالب‭ ‬بل‭ ‬وتسول‭ ‬له‭ ‬نفسه‭ ‬بالمطالبة‭ ‬بحقوقه‭ ‬كمواطن‭ ‬حر‭ ‬شريف‭ ‬فأجهزة‭ ‬الاستخبارات‭ ‬بكافة‭ ‬أنواعها‭ ‬والسجون‭ ‬السرية‭ ‬والعلنية‭ ‬وصرخات‭ ‬المعتقلين‭ ‬والأرامل‭ ‬والأيتام‭ ‬ودماء‭ ‬الشهداء‭ ‬في‭ ‬غيابات‭ ‬السجون‭ ‬لازالت‭ ‬شاهدة‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬الحقبة‭ ‬من‭ ‬الزمن‭ ‬والسنين‭ ‬العجاف‭ ‬والأوضاع‭ ‬البائسة‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يعيشوها‭ ‬الناس‭ ‬لازالت‭ ‬عالقة‭ ‬في‭ ‬أذهانهم‭ ‬بل‭ ‬ومحفورة‭ ‬في‭ ‬ذاكرتهم‭ ‬ومن‭ ‬الصعب‭ ‬نسيانها‭.‬
فسياسة‭ ‬تكميم‭ ‬الأفواه‭ ‬وقص‭ ‬الألسنة‭ ‬هو‭ ‬الأسلوب‭ ‬المتميز‭ ‬لدى‭ ‬غالب‭ ‬حكام‭ ‬العرب‭ ‬وفي‭ ‬ليبيا‭ ‬على‭ ‬الخصوص‭ ‬بطعم‭ ‬خاص‭ ‬ومنفرد‭ ‬على‭ ‬غيره‭ ‬من‭ ‬الأنظمة‭ ‬العربية‭ ‬فالشعب‭ ‬الليبي‭ ‬كغيره‭ ‬من‭ ‬الشعوب‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬يئست‭ ‬من‭ ‬المطالبة‭ ‬بالاصلاح‭ ‬الشامل‭ ‬والواسع‭ ‬تحت‭ ‬وطأة‭ ‬هذه‭ ‬الأنظمة‭ ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬لها‭ ‬الأمل‭ ‬في‭ ‬الاصلاح‭ ‬باللتي‭ ‬هي‭ ‬أسلم‭ ‬وأصلح‭ ‬فصاراالشعب‭ ‬كالبركان‭ ‬ينتظر‭ ‬الانفجار‭ ‬والفوران‭ ‬فالشعب‭ ‬يرى‭ ‬بعينه‭ ‬أن‭ ‬الثروات‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬من‭ ‬حقهم‭ ‬كمواطنين‭ ‬أصبح‭ ‬يراها‭ ‬في‭ ‬أيدى‭ ‬أبناء‭ ‬الحاكم‭ ‬والموالين‭ ‬له‭ ‬فقط‭ ‬يبذرونها‭ ‬على‭ ‬ملذاتهم‭ ‬الشخصية‭ ‬ويتنعمون‭ ‬بها‭ ‬أمام‭ ‬أعين‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬يعيش‭ ‬فيه‭ ‬المواطن‭ ‬البسيط‭ ‬يحلم‭ ‬بأن‭ ‬يملك‭ ‬سيارة‭ ‬فارهه‭ ‬أو‭ ‬هاتف‭ ‬نقال‭ ‬من‭ ‬أحدث‭ ‬الموديلات‭ ‬أوه‭ ‬آسف‭ ‬أخي‭ ‬القارئ‭ ‬المواطن‭ ‬أصبح‭ ‬يرى‭ ‬أن‭ ‬ذهابه‭ ‬إلى‭ ‬تونس‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الكشف‭ ‬على‭ ‬المرارة‭ ‬من‭ ‬أعظم‭ ‬الانجازات‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أننا‭ ‬نملك‭ ‬مستشفيات‭ ‬لا‭ ‬أبالغ‭ ‬إن‭ ‬قلت‭ ‬أنها‭ ‬من‭ ‬أكبر‭ ‬المستشفيات‭ ‬في‭ ‬القارة‭ ‬السمراء‭ ‬بدون‭ ‬مبالغة‭ ‬لو‭ ‬وجدت‭ ‬أهتمام‭ ‬من‭ ‬السلطات‭ ‬المعنية‭.‬
إذن‭ ‬كما‭ ‬ذكرنا‭ ‬أن‭ ‬سياسة‭ ‬التضييق‭ ‬على‭ ‬الناس‭ ‬وتدني‭ ‬مستوى‭ ‬الخدمات‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬المجالات‭ (‬صحة‭ ‬ـ‭ ‬تعليم‭ ‬ـ‭ ‬خدمات‭ ‬عامة‭ ‬ـ‭ ‬‮…‬‭) ‬فالشعب‭ ‬ذاق‭ ‬الويلات‭ ‬تحت‭ ‬ذلك‭ ‬النظام‭ ‬الذي‭ ‬فرض‭ ‬عليه‭ ‬ولم‭ ‬يأت‭ ‬باختياره‭.‬
فالعقل‭ ‬السليم‭ ‬يقول‭ ‬إنه‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬لحكومة‭ ‬مختارة‭ ‬من‭ ‬الشعب‭ ‬أن‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬تلك‭ ‬الدرجة‭ ‬من‭ ‬البلطجية‭ ‬والدموية‭ ‬وكتم‭ ‬للحريات‭ ‬والتضييق‭ ‬على‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬أرزقهم‭ ‬وممتلكاتهم‭ ‬وحرياتهم‭ ‬الشخصية‭.‬
إذن‭ ‬فبراير‭ ‬كانت‭ ‬لها‭ ‬أسباب‭ ‬ومبررات‭ ‬واقعية‭ ‬ومنطقية‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬ينكرها‭ ‬أحد‭ ‬،‭ ‬طبعاً‭ ‬لم‭ ‬نتطرق‭ ‬إلى‭ ‬نية‭ ‬السياسي‭ ‬الذي‭ ‬كانت‭ ‬تعانيه‭ ‬البلاد‭.‬
فمن‭ ‬يقرأ‭ ‬وينظر‭ ‬إلى‭ ‬التاريخ‭ ‬بتمعن‭ ‬ثم‭ ‬يربط‭ ‬الواقع‭ ‬وساحات‭ ‬صراعه‭ ‬عن‭ ‬قرب‭ ‬سيشتعل‭ ‬في‭ ‬داخله‭ ‬صراع‭ ‬من‭ ‬نوع‭ ‬آخر‭ ‬وينسى‭ ‬بلاده‭ ‬ويراها‭ ‬إنما‭ ‬هي‭ ‬جزء‭ ‬صغير‭ ‬في‭ ‬خضم‭ ‬الصراعات‭ ‬العالمية‭.‬
ولعل‭ ‬الذي‭ ‬يمر‭ ‬ببلادنا‭ ‬من‭ ‬صراعات‭ ‬ليس‭ ‬أساسه‭ ‬فبراير‭ ‬قيامها‭ ‬من‭ ‬عدمه‭ ‬بل‭ ‬لعله‭ ‬يرى‭ ‬أننا‭ ‬دخلنا‭ ‬في‭ ‬خضم‭ ‬التدافعات‭ ‬الكبرى‭ ‬وصراع‭ ‬الدول‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬نقل‭ ‬صراع‭ ‬الحضارات‭ ‬وهنا‭ ‬تنقلب‭ ‬الموازين‭ ‬تماماً‭ ‬فلا‭ ‬يكفيك‭ ‬فقط‭ ‬أن‭ ‬تحافظ‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬عالي‭ ‬من‭ ‬الاخلاق‭ ‬النبيلة‭ ‬في‭ ‬معاركك‭ ‬التي‭ ‬لاتختارها‭ ‬أنت‭ ‬لنفسك‭ ‬ولكنها‭ ‬فرضت‭ ‬عليك‭ ‬كالواقع‭ ‬الذي‭ ‬يدور‭ ‬الآن‭ ‬حول‭ ‬طرابلس‭ ‬فما‭ ‬عليك‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬تترك‭ ‬فيها‭ ‬بصمتك‭ ‬الاخلاقية‭ ‬واضحة‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المعارك‭ ‬ليسجلها‭ ‬التاريخ‭ ‬للأجيال‭ ‬القادمة‭.‬
فإلقاء‭ ‬اللوم‭ ‬على‭ ‬فبراير‭ ‬أظنه‭ ‬مخالف‭ ‬للصواب‭ ‬بل‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬السبب‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬الذين‭ ‬قاموا‭ ‬بها‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬لهم‭ ‬أي‭ ‬طموح‭ ‬سياسي‭ ‬ولا‭ ‬يوجد‭ ‬لهم‭ ‬كيان‭ ‬مستقل‭ ‬وجامع‭ ‬لهم‭ ‬يتكلم‭ ‬باسمهم‭ ‬ويوضح‭ ‬رؤيتهم‭ ‬للآخرين‭ ‬ولعل‭ ‬هذا‭ ‬السبب‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬جعل‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬هب‭ ‬ودب‭ ‬ينال‭ ‬من‭ ‬فبراير‭ ‬ووجدها‭ ‬شماعة‭ ‬لنشر‭ ‬غسيله‭ ‬الفاسد‭ ‬عليها،‭ ‬وأصبح‭ ‬لدينا‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المكونات‭ ‬الصغيرة‭ ‬العاجزة‭ ‬عن‭ ‬منع‭ ‬الضواهر‭ ‬السلبية‭ ‬والتصدي‭ ‬لها‭ ‬لأنها‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬ذاتها‭ ‬من‭ ‬الداخل‭ ‬غير‭ ‬نقية‭ ‬وتأخر‭ ‬من‭ ‬نتوسم‭ ‬فيهم‭ ‬الخير‭ ‬نتيجة‭ ‬للخوف‭ ‬والجبن‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬وأنعكس‭ ‬هذا‭ ‬الواقع‭ ‬السلبي‭ ‬على‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬ورمي‭ ‬بضلاله‭ ‬على‭ ‬معظم‭ ‬مؤسساتنا‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والسياسية‭ ‬والاقتصادية‭.‬
ولتجاوز‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬لنا‭ ‬من‭ ‬إعادة‭ ‬ترميم‭ ‬الادراك‭ ‬والمفهوم‭ ‬الجماعي‭ ‬للمسؤولية‭ ‬وتصحيح‭ ‬مفهوم‭ ‬الحق‭ ‬والباطل‭ ‬وفق‭ ‬النظم‭ ‬الشرعية‭ ‬ومن‭ ‬بعدها‭ ‬يتم‭ ‬الاصطفاف‭ ‬وراء‭ ‬مشروع‭ ‬ضخم‭ ‬جداً‭ ‬تتلاعب‭ ‬به‭ ‬دول‭ ‬خارجية‭ ‬وهو‭ ‬العائق‭ ‬الأساسي‭ ‬لمشروع‭ ‬تسوية‭ ‬صفوفنا‭ ‬نحن‭ ‬الليبيين‭ ‬وتنظيمها‭ ‬وهو‭ ‬أكبر‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬تجاهله‭ ‬وأخيرا‭ ‬أهديك‭ ‬أخي‭ ‬القارئى‭ ‬هذه‭ ‬الابيات‭.‬

متفائل‭ ‬واليأس‭ ‬بالمرصاد‭    ‬متفائل‭ ‬بالسبق‭ ‬دون‭ ‬جياد
متفائل‭ ‬رغم‭ ‬القنوط‭ ‬يضيقنا‭   ‬جمر‭ ‬السياط‭ ‬وزجرت‭ ‬الجلاد
متفائل‭ ‬بالغيث‭ ‬يسقى‭ ‬روضنا‭  ‬وسمائنا‭ ‬شمس‭ ‬وصحو‭ ‬باد
متفائل‭ ‬ياقوم‭ ‬رغم‭ ‬دموعكم‭     ‬إذ‭ ‬السما‭ ‬تبكي‭ ‬فيحى‭ ‬الواد
فدع‭ ‬اليهود‭ ‬بمكرهم‭ ‬وذيولهم‭   ‬نمل‭ ‬يدب‭ ‬بغابة‭ ‬الآساد
متفائل‭ ‬بشدى‭ ‬النبي‭ ‬قريبة‭    ‬فغداً‭ ‬سنسمع‭ ‬منطقا‭ ‬لجماد
هذا‭ ‬يقيني‭ ‬وهو‭ ‬لي‭ ‬بل‭ ‬الصدي‭  ‬والكأس‭ ‬غامرة‭ ‬لغلة‭ ‬صادي
فاجعل‭ ‬يقينك‭ ‬بالإله‭ ‬حقيقة‭      ‬وأصنع‭ ‬بكف؛‭ ‬صارماً‭ ‬لسداد

 

شاهد أيضاً

كتاب “فتيان الزنك” حول الحرب والفقد والألم النفسي

خلود الفلاح لا تبث الحرب إلا الخوف والدمار والموت والمزيد من الضحايا.. تجربة الألم التي …