الصباح/ المحرر السياسي
لا يمكن قراءة الحديث الأمريكي عن تعيين جنرال لقيادة «قوة الاستقرار الدولية» في غزة بمعزل عن السياق الأوسع لما يُطرح اليوم بوصفه «ترتيبات ما بعد الحرب». فالمسألة لا تتعلق بإجراء أمني تقني، بقدر ما تكشف عن تصور سياسي كامل لإدارة القطاع، يقوم على ضبط الواقع لا تغيير أسبابه..
الطرح الأمريكي–الإسرائيلي ينطلق من فرضية أساسية: أن المشكلة في غزة أمنية بالدرجة الأولى، وأن إعادة «الاستقرار» تمر عبر قوة دولية تقودها واشنطن، وهي فرضية تتجاهل أن جذور الأزمة تكمن في الاحتلال والحصار وتفكك الأفق السياسي، لا في غياب الإدارة الأمنية وحده.
تُقدَّم «قوة الاستقرار» كحل مرحلي، لكن تفاصيلها تشير إلى نموذج إدارة أمنية طويلة الأمد، تُدار من خارج غزة، وبدون تفويض فلسطيني مباشر. هذا النموذج يطرح سؤالًا مركزيًا: هل يُراد لغزة أن تُحكم، أم أن تُستعاد كجزء من مشروع وطني فلسطيني؟
فالحديث عن نزع سلاح الفصائل، مقابل غياب التزامات واضحة بإنهاء الاحتلال أو رفع الحصار، يعيد إنتاج معادلة مختلة، تُحمِّل الفلسطينيين كلفة «الاستقرار»، دون ضمانات سياسية مقابلة.
ورغم الطابع الدولي للخطة، فإن قيادة القوة من قبل جنرال أمريكي تضع واشنطن في موقع الوصي الفعلي على أمن القطاع. وهنا يبرز التناقض: إدارة أمريكية تقول إنها لا تريد التورط العسكري، لكنها تسعى لقيادة القوة وتحديد قواعد عملها ومسارها السياسي.
هذا الترتيب يثير مخاوف من أن تتحول غزة إلى ساحة إدارة أزمة دائمة، لا إلى مساحة لإعادة بناء كيان سياسي قادر على الاستمرار.

ويرى المحللون، أن أحد أضعف حلقات الخطة هو غياب الحديث الجدي عن القبول الفلسطيني. فلا القوى السياسية، ولا المجتمع المدني، ولا الشارع الغزّي حاضرون في صياغة هذه الترتيبات. وهو غياب يُنذر بأن أي قوة تُفرض من الخارج، مهما حملت من مسميات «الاستقرار»، ستظل مهددة بالرفض، وربما بالمواجهة.
فالخطة لا توضح مستقبل السلطة الفلسطينية، ولا طبيعة الحكومة التكنوقراطية المقترحة، ولا سقف المرحلة الانتقالية، ولا علاقتها بمسار سياسي واضح. والأهم: لا تقدم إجابة عن السؤال الجوهري—هل ما بعد الحرب هو طريق نحو إنهاء الاحتلال، أم مجرد إدارة أكثر هدوءًا له؟
وبين «الاستقرار» كما تراه واشنطن، و«التحرر» كما يراه الفلسطينيون، فجوة عميقة. وأي مشروع يتجاهل هذه الفجوة، ويعالج النتائج دون الأسباب، قد ينجح مؤقتًا في خفض مستوى العنف، لكنه سيؤجل الانفجار، لا يمنعه..
منصة الصباح الصباح، منصة إخبارية رقمية