جمعة بوكليب
زايد…ناقص
أيامٌ قليلة تبقَّتْ على نهاية العام الخامس والعشرين بعد الألفين، وبدء الاستعداد لاستقبال عام آخر بتبادل التهاني والأمنيات الطيّبة، كما نفعل في كل نهاية عام وبداية آخر، ثم تنقضي الاحتفالات وتعود الدنيا إلى سابق أحوالها، وتتوالى في وسائل الإعلام أخبار وتقارير الحروب والمجاعات. عندئذ، ندرك أن “أيام الله سواء”، وأن تغيير رقم في الروزنامة لا يعني أن الدنيا وأهلها تغيّروا، أو أن حمائم السلام ستعلو بأجنحتها مرفرفة في سموات الله.
الأمنيات الطيبة حقٌّ مشروعٌ ومجانيٌّ ومتاحٌ للجميع. ومن حق أيٍّ منّا أن يتمنى ما يشاء. أما تحقُّق الأمنيات من عدمه فأمر آخر مختلف. إذ كلما كبُرَت الأحلام ضاقت فرص تحقُّقها. وكلما اقتربت من الواقع اتسعت إمكانية وجودها. وليس على المرء سوى محاولة تثبيت القدمين ما أمكن على أرض يشترط ألا تكون رخوة، والتعامل مع واقعه اليومي بشيء من عقلانية، حرصًا على سلامة صحته النفسية.
الذين منّا أنهَوا العقد السابع من أعمارهم، ودخلوا بأقدام واهنة ومترددة العقد الثامن، قد يتميَّزون عن غيرهم بنظراتهم الواقعية للحياة، وبتواضع أحلامهم وأمنياتهم. القليل الذي ينشدونه: العافية وراحة البال، ليس من الميسور توفُّره والحصول عليه.
أنا شخصيًّا أتمنى أن أعيش أيامي المتبقية في غرفة بنافذتين لا أكثر. وهي أمنية تبدو غير صعبة التحقق لبعضنا، لكنها ليست في متناولي. لذلك حرصت على تقسيم النافذة الوحيدة لديَّ إلى قسمين: صباحي ومسائي. من القسم الصباحي أطلُّ مستشرفًا ما سيأتي بتوجس. ومن القسم المسائي أطلُّ مسترجعًا ما كان يومًا حياةً زاخرةً، وأضحى الآن ذكريات. وهي قسمة، في رأيي، لا ينقصها عدلٌ، ولا يثقلها ظلمٌ. تعوِّضني عما أفتقد، وتساعدني على التنفس من دون مشقَّة.
في نهاية المطاف، ليس الأمر بعدد النوافذ التي نطلُّ منها على العالم، وإن كان ذلك مهمًا، بل بكمية ونوعية الضوء الذي نستطيع أن نشعله نحن في ظلمات دواخلنا، والدفء الذي يحدثه فيها.
منصة الصباح الصباح، منصة إخبارية رقمية