منصة الصباح

غرائب وعجائب من أدوات التواصل الاجتماعي

محمد الهادي الجزيري

سأقصّ عليكم غرائب تحدث لنا جميعا في أدوات التواصل الاجتماعي ..، يشيب لها الصغار ويجنّ الكبار ..، لكن يقول القول الليبي ” الله غالب ” حول كلّ شيء متروك لله

…………..

أهلا

ـ تحياتي

ـ كيف الحال؟

ـ الحمد لله

ـ والعائلة..؟

ـ بخير …، والمعذرة فأنا أعمل الآن ، نتواصل بإذن الله …

هذه عيّنة صغيرة من الاختراق اليوميّ الذي نعاني منه جميعا، باستثناء هواة الدردشة على النتّ  وتدمير أعصاب الخلق وقتل الإنسان والوقت ولا حول ولا قوّة إلا بالله …

ما أغرب هذه الأمّة صراحة، حتّى المكاسب التي وهبها لها الآخرون ، حوّلتها إلى نقاط ضعف ووهن، كيف لا ونحن حوّلنا هذه الجسور التواصليّة والنوافذ المعرفيّة الافتراضية إلى مقاه افتراضية ، أضفناها إلى ما لا يحصى من مقاهينا المتفشيّة في كلّ قطر عربي كالسرطان…، نحن أمّة أدب وشعر ..أتفهّم هذه المسألة بل وأفتخر بها رغم الخور الرهيب الذي تشهده الساحة الأدبية العربية ، أمّا أن يؤكّد البعض منّا وهم أغلبيّة والحقّ يقال أحيانا، أنّنا ظاهرة كلاميّة ..فهذا ما يحبط ما تبقّى من عزائم…

ثمّة كارثة أخرى تتكرّر بشكل يوميّ في ما يسمّى بالمنتديات والمواقع الالكترونية، خلاصتها تدفّق موجات ” النقد الإخواني ” والمجاملات الهابطة والمدح المريع ، تقرأ نصّا ما ، لا علاقة له لا بالأدب ولا بالحياة أصلا، ثمّ تنزلق عيناك إلى قائمة التعليقات المديدة فتشكّ في ذائقتك الأدبية ومخزونك المعرفي وربّما في إنسانيتك، ويسحبك عنادك إلى الاطلاع على ” النصّ العظيم ” مرّة أخرى ..، فتنسحب مباشرة بعد قراءته من الموقع الأدبي الذي ورّطتك فيه رسالة إلكترونية من أحد أصحابك، تنسحب حانقا قانطا وبك رغبة في قراءة نصّ عال يرفعك بعيدا عن هذه الفوضى الموحلة…، علما أنّ على كلّ راغب في استدرار عبارات التعظيم والتضخيم ، لفت الانتباه إلى إشرافه على مؤسسة ثقافيّة مثلا، أو إدارته لمهرجان شعريّ على سبيل المثال، أمّا الراغبة في نيل شهادات الكفاءة في الخلق والإبداع والإضافة ، فما عليها إلاّ أن ترفق نصّها الفريد بصورتها ، شرط أن يكون تاريخ التقاطها بعيدا نسبيّا، قرابة الثلاثين سنة ، ليس أقلّ من ذلك، أيّام كانت في تمام الإغراء، ولن يتفطّن قطيع الذكور العربي إلى عمليّة التدليس الطفيفة، أمّا إذا كانت المبدعة الفذّة موهوبة في مجال الحسن والدلال والسحر والجمال ولم تعبر بعد حديقة شبابها … فلا خوف عليها من الضياع في زمن الضباع وتلك مسألة أخرى … ولا حول…

تصلنا عبر شبكة النتّ من غيمة إلى أخرى اقتراحات غريبة عجيبة، كالانضمام إلى محبّي الشاعر الشاب فلان الفلاني، أو الانخراط في ” جمعيّة ” الأديبة التي هطلت بها الغيمة الأخيرة..تعبيرا عن شدّة الإعجاب بفداحة محاولاتها الأولى ، صراحة لقد بلغ السيل الزبى وطغى الاستعجال على أغلبيّة الأدباء الشبّان والمتشبّهين بهم، وهذه حالة سرياليّة أنتجها الطقس العام الذي يغشى أمّتنا العربيّة ويفرز مهازل فظيعة في شتّى مجالات الحياة ..، فلا شيء في مكانه ..كما حرصتُ على عنونة إحدى مجاميعي الشعريّة…

آخر القول:

دعوني عاريا كالدمعة ، طاهرا كالنار

لا تستروني بغبار حروبكم اليومية التافهة

ولا تجرّوني إلى الغدير

دعوني أتأمّل نموّ الموت في كنف الجسد

وانبثاق الوردة من جثّة الغراب

شاهد أيضاً

كتاب “فتيان الزنك” حول الحرب والفقد والألم النفسي

خلود الفلاح لا تبث الحرب إلا الخوف والدمار والموت والمزيد من الضحايا.. تجربة الألم التي …