الصباح/حنان علي كابو
من مدينة براك الشاطئ في عمق فزان، حيث تصنع الأيادي قديماً قناديل بدائية من زَرْب النخيل المعلّق بقديد العيد، استلهم الكاتب الليبي “قُصي البسطامي” لوحة غلاف روايته الثانية «عِقاب»؛ لتصدر عن دار “النهضة العربية للكتاب”/ لبنان، في “255” صفحة من القطع المتوسط “A5”..
تكشف الرواية التي حملت على غلافها رمزية شعبية، وعلى صفحاتها أسئلة وجودية، مأزق الفرد الليبي في مواجهة مجتمع تغلب عليه الأعراف الصارمة والهيمنة الاجتماعية..
العنوان.. من تردّد إلى يقين

يقول “البسطامي”: «كنت حائراً في بادئ الأمر في اختيار العنوان المناسب، ووضعت الاسم كعنوان مبدئي، لكن ما إن انتهيت من العمل حتى بدا لي أنه في محله تماماً»..
ويرى الكاتب أن دلالة «عِقاب»، لا تقف عند حدود العقوبة، بل تتصل بفلسفة الشر: هل هو مطلق متعالٍ أم نتاج تربية وتوجيه خاطئ؟
منحة «محترف الرواية».. مدرسة للتعلّم
«عِقاب» هي الرواية التي فاز بها “البسطامي” بمنحة محترف الرواية الليبية “2024–2025″، التي منحته، كما يقول، فرصة لمراجعة أسلوبه السردي: «تعلمت أن أحوّل الكثير من النصوص المباشرة إلى نصوص إشارية غير مباشرة، ووازنت بين الفصاحة والدارجة الليبية، وبين اللغة الأدبية والطرح الفلسفي»..
بين التجربة الأولى والثانية
في حديثه عن أخطاء البدايات، يعترف الكاتب بأن روايته الأولى غَرقت في المباشرة والفلسفة النظرية، أما «عِقاب» فجاءت أكثر موازنة بين البعد الفلسفي والبعد الأدبي، لتفتح مساراً مختلفاً يزاوج بين الصرامة الفكرية والرمزية السردية..
شخصيات من الواقع
شخصيات الرواية ليست اختراعاً ذهنياً، بقدر ما هي انعكاس لوجوه حقيقية من الواقع الليبي: «كل الشخصيات التي كتبت عنها – وما زلت – هي شخصيات واقعية حية، أقوم فقط بتعديل بعض سلوكياتها وأقوالها لتتطابق مع صفاتها الداخلية»، يقول البسطامي.
مصير الفرد أمام المجتمع
القضية المركزية في الرواية تتعلق بعلاقة الفرد بالمجتمع، حيث يُدفع البطل من البراءة إلى الانكسار تحت ضغط العرف الاجتماعي. يصفها الكاتب بأنها رحلة قاسية تكشف «كيف يتحول الفرد من شخصية بريئة إلى شخصية مريضة، تعكس الظلم الواقع عليها كردة فعل».
الرواية الليبية في المشهد العربي
على الرغم من الصعوبات، يظل “البسطامي” مؤمناً بأن الرواية الليبية «تحتل مكانة مرموقة بين صناع الرواية في العالم العربي»، مستشهداً بأسماء مثل “إبراهيم الكوني، ورزان نعيم المغربي، ونجوى بن شتوان”، وغيرهم ممن أوصلوا النص الليبي إلى القارئ العالمي..
الفكرة قبل اللغة
يُراهن الكاتب على الفكرة الفلسفية قبل أي عنصر آخر: «الأهم بالنسبة لي، كما يقول “نجيب الحصادي”، أن الفكرة أهم من المنهجية.. الفكرة هي المركز، وما تبقى من لغة وحبكة يأتي نتيجة طبيعية لها.»..
نحو القارئ العربي.. وخطوة ثالثة
ورغم عدم قدرته المادية على الترجمة حالياً، يتمنى “البسطامي” أن تجد جهات ثقافية مهتمة بالأدب الليبي سبيلاً لترجمة الأعمال الجديدة إلى لغات أخرى..
أما هو، فقد بدأ التفكير في مشروعه الروائي الثالث، الذي سيتناول سيرة أدبية روائية لشخصية تاريخية، كان لها دور في تأسيس مدرسة فلسفية في شمال أفريقيا..