زايد ..ناقص
أنتَ لا تحتاجُ إلى السفرِ للقاءِ شتاءٍ آخر. إبقَ حيث أنتَ في مكانك، وتظاهر بالانشغال بأمور حياتك اليومية. سيأتيكَ الشتاء تدريجيًا، خطوةً خطوة. تحديدًا، مع بدء لملمة فصل الخريف متاعه تأهبًا للرحيل.
فصول الشتاء من عادتها ألا تأتي في مرّة واحدة، مُعلنةً عن حضورها، بل تتأنى اقتداءً بمقولة العجلة من الشيطان.
كلُ الطرقِ، البعيدة والقريبة، تقودُ فصلَ شتاءٍ، آخرَ أو ربما أخير، إليك.
هذا ليس تحذيرًا، بل تنبيهٌ بضرورة التهيؤ لاستقبال فصل ثقيل على الروح. ضوء شمسه في برودة ضوء ثلاجة حين يفتح بابها.
أنتَ، يا أنا، لستَ محتاجًا للوقوف في محطة في انتظار وصوله، لأن صقيعًا يلتفُ بقلبك منذ أن غادرتكَ ملاعبُ الطفولة، ورحلَ عنك الحبُّ وجنانه قاصدًا جهات وقُلوبٍ أخرى، فأقفرتْ وأجدبتْ من بعد اخضرار حديقتك، حتى عافها الطيرُ وصرتَ مثل عمود كهرباء مغروس على رصيف، يقف منتصبًا في زاوية شارع. يمرُّ به العابرون من دون مبالاة، تقصده كلاب بأنواع وأحجام مختلفة، سائبة وغير سائبة، بغرض التبوّل، تقتصرمهمته على حمل أثقال أسلاك كهربائية بأحجام مختلفة، تصل مختلف البيوت، تضيء حياة الآخرين وتدفيء لياليهم، ويُترك هو لحاله، وحيدًا، في مواجهة الوحدة والوحشة وعتمة الليل.
أنتَ، يا من عشت غريبًا وستموت غريبًا، لستَ في حاجة إلى انتظار ما لا يأتي. العودةُ من نفس الطريق في حكم المستحيل. لذلك، وعلى خلاف أعمدة الكهرباء الثابتة، ستكون أنت عمود كهرباء متحرك تغذُّ السير إلى محطة أخيرة.
المسافة المتوقعة ليست بعيدة، وفقًا لإيقاعات عُمرك: ما أضعته أو خسرته منه.
هذا الشتاءُ البليدُ بدأتْ طلائعُه تُعلن عن وصولها، ولا أظنّه سيكون مختلفًا عمّا سبقه. يحتاج منك إلى قليلٍ من الصبرِ والحرصِ على البقاء حَيًّا، على أمل الوصول سالمًا مُعافى إلى فصل الربيع. هناك، يمكنك أن تخلع تعبك، وتستريح أخيرًا من عناء الوقت، مستمتعًا بدفءٍ كالحبَ، سيكون حتمًا في انتظارك.
منصة الصباح الصباح، منصة إخبارية رقمية