منصة الصباح

عيد الحب أم عيد الكراهية؟

من مقال للكاتبة والروائية: غادة السمان

منذ أيام احتفل الغرب بعيد الحب كما بعض العشاق في بلادنا العربية، ولكن عالمنا العربي عامة يكره الحب الكلمة المشبوهة ويقوم بشيطنة قصائده أحياناً.

في روما يهرع العشاق إلى بركة تريفي الجميلة لرمي قطعة نقدية ومن المفترض ان تلك البركة (السحرية) تجعل حبه ومرافقه أبدياً!! أما في باريس فيحملون الأقفال إلى جسر «بون دي آرت» لتعليقها حتى ناء الجسر بكثرة الأقفال، وكاد يقع فقامت البلدية بالتخلص منها. ولكنها عادت بأقفال الحب وهي طريقة هزلية للحفاظ على الحبيب بالإقفال على الغرام ويُذَكّر بالسجون وأقفالها الخانقة بينما الحب طفل الحرية. في الغرب هذا العيد مناسبة استهلاكية ايضاً وذلك لا يمنع صدق البعض والاحتفال بإهداء وردة حمراء من حديقة قلبه أو بخاتم ماسي أو بقصيدة حب على الانترنت. في الغرب دخل إلى عيد العشاق تقليد جديد ليس موجوداً لدينا كعرب هو معايدات الحب المثلي الذي صار علنياً بعدما شرعته القوانين في معظم دول أوروبا الغربية… وصرنا نلتقي بإعلانات عن الهدايا للعشاق مع معشوقه… وللفنادق التي تكرس غرفاً من أجل قضاء  (ليلة الحب) فيها… لآدم وحواء أو لآدم وآدم! ولكل خياره في الغرب الذي ننتقده باستمرار ولكننا نهاجر إليه ونتسول تأشيرة لتحقيق ذلك. والسؤال هو: هل يحق لنا في عصرنا الاحتفال كعرب بعيد العشاق ونحن نعيش زمن الكراهية بامتياز؟ ألا يحق للكراهية المطالبة بعيدها في كوكب تكاد الكراهية تحكمه؟ فمتى عيد الكراهية؟

المؤسف اننا كعرب لا نتقن فن الكراهية كأن نكره العدو الإسرائيلي مثلاً بدلاً من كراهية بعضنا بعضاً كعرب.

وهدايا عيد الكراهية ليست من الورد بل هي دموع الملايين من المشردين من أوطانهم، المرتعشين برداً في بحار عدوانية هرباً إلى أوطان نحلم بها ولكننا لم نقم يوماً بمحاولة جعل أوطاننا عصرية ومناسبة للعيش لنستقر فيها بدلاً من تسول الحرية والرزق في أوطان أخرى مأكولة ومذمومة!

والكراهية أكثر من (شفيع) يتنافسون على اللقب بجدارة… وعلى الرغم من سم الكراهية الذي يسري في كوكبنا، وبالذات في عالمنا العربي وعلى سبيل النكاية به وكفعل مقاومة لبشاعته أتوقف اليوم مع بعض قصائد الحب الاستثنائية، إكراماً للحب.

وهنا أنا في عالم يكاد يحكمه زبانية الكراهية هاربة إلى كتاب هو (أخبار مجنون ليلى) والنص للشاعر البحريني قاسم حداد الفائز مؤخراً بجائزة أبو القاسم الشابي والرسوم الرائعة للفنان العراقي الكبير ضياء العزاوي.. كتاب استثنائي يسيل حباً حيث يتزاوج النص الجميل مع اللوحة المبدعة:

سأقول عن قيس..

عن الوجد والشهقة الساهرة

عن الخيل تصهل بي في الليالي/عن الصهد يغسلني في الصباح

ويا قيس يا قيس جننتني أو جننت / كلانا دم ساهر في بقايا القصيدة…

ويقول عن ليلى:

عن العسل الذي يرتاح في غنج على الزند…

عن البدوية العينين والنارين والخد

لها عندي مغامرة تؤجج شهوة الشعراء لو غنوا…

ويتابع حداد في نص آخر عميق الفور:

إذا ما لذة تاهت بنا وتناهت أعضاءنا النيران

متنا أو حيينا، أو يقول الناس اخطأنا

ستبكي حسرة فينا إذا غفروا!!

شاهد أيضاً

كتاب “فتيان الزنك” حول الحرب والفقد والألم النفسي

خلود الفلاح لا تبث الحرب إلا الخوف والدمار والموت والمزيد من الضحايا.. تجربة الألم التي …