زايد .. ناقص
جمعة بوكليب
كل عيد أضحى وأنتم بخير. العيد هذا العام لايختلف كثيراً عن غيره من الأعياد التي مرّت علينا في السنوات الأخيرة، مثقلة بهمومها، وبآلامها. لكن الفرحة بالعيد، في آخر الأمر، تنتصر على الحزن والآلم. ونسارع نحن إلى اخفاء أحزاننا، وإلى أظهار الفرح والبهجة بالعيد، والاستمتاع باللمة مع العائلة، وبما تجود به علينا، أمهاتنا وأخواتنا وزوجاتنا وبناتنا من وجبات أكل شهية، منكهة بود قلوبهن.
العيد في الوطن، وخاصة عيد الأضحى، له مذاق بديع، ويختلف كثيراً عن العيد في بلاد الغربة عموماً، وغير المسلمة منها على وجه الخصوص. ويظل لدى الكثيرين في تلك الديار البعيدة، مجرد يوم عمل عادي، يمر على القلوب كعجلات شاحنة محملة بحمولة ثقيلة.
من ذكريات طفولتي في عيد الأضحى أن والدي رحمه الله كان لا يجيد الذبح. وكان هذا يعني أننا ملزمون بالانتظار حتى يفرغ أحد جيراننا من ذبح وسلخ أضحياته، ليكون بامكانه مد يد المساعدة، والتطوع بذبح أضحيتنا، واضحية جدي وجدتي، لأن جدي، رحمه الله، كان، أيضاً، لا يجيد الذبح. وقد ورثُّ عنهما أنا ذلك الفشل الذي يشبه الفضيحة. التقليد ذاك استمر إلى سنوات طويلة، وكان علينا جميعاً الانتظار حتى يكبر أخي – الأصغر سنّاً منّي – ويتعلم، بمبادرة منه، فن الذبح. وبذلك تخلصت العائلة أخيراً، وبعد عقود زمنية طويلة، من عادة تسول مساعدة الجيران، في كل عيد أضحى.
في فترة ما قبل دخولي السجن، ذهبت مع جدي إلى “سوق السعي”، وأخترنا كبشاً سميناً ليكون أضحية له ولجدتي، وعدنا به إلى البيت في المدينة القديمة. لكن ذلك الكبش كان شرساً، وفي اليوم التالي مباشرة انتهز فرصة وجود جدتي العجوز قربه، ونطحها نطحة قوية تسببت في كسر عظام حوضها، ولم تقم لجدتي، رحمها الله، بعد تلك النطحة قائمة. وأتمنى ان يلاقي ذلك الكبش الغادر جزاءه في الآخرة، ويحاسب على فعلته الشنيعة.
وقرأتُ، مؤخراً، في أحد مواقع التواصل الاجتماعي خبراً يتعلق بقيام الشرطة الالمانية بتفتيش شقة لاحد اللاجئين السوريين في احدى المدن، عقب تلقيهم مكالمة من أحد الجيران يبلغهم بوجود كبش حقيقي، من لحم ودم وصوف وقرون وبعبعة، في شقة مجاورة. وتصدرت صورة رجال الشرطة وهم يجرجرون الكبش خارج الشقة وسائل الاعلام. لكن هذة الواقعة لا تقارن بما حدث في بريطانيا، وتحديداً في لندن، في آواخر الثمانينيات من القرن الماضي، حين تصدرت الصحف البريطانية، صورة كبيرة لسفير ايران في لندن، وقد أخرج أضحيته من بيته، شاهراً سكينه، ووضعها على حافة رصيف وذبحها مكبّراً ومهلللاً، حامداً وشاكراً، وقد تلطخت سكينه ويده وملابسه بدم الأضحية. تلك الصورة قلبت بريطانيا رأساً على عقب، وأكدت، بما لا يدع مجالا لشك، أن أختلاف الثقافات والعادات والاديان، بين الشعوب والأمم ليس مجرد أشياء تبنت في القلب والعقل واللسان، وتظل عالقة في الهواء كنبتة طارئة، ثم تطيرمتلاشية في الجو، وتنمّحى تماماً متى قرر المرء وأختار العيش في بلاد أخرى بثقافة وعادات ودين مختلف. السفير الايراني، آنذاك، كان يؤمن من كل قلبه وعقله أن أضحيته تلك ستكون مطيته إلى الجنة، ولم يفكر مطلقاً، وهو القادم حديثا إلى بريطانيا، أن القوانين الوضعية البريطانية تحظر وتمنع ذبح الحيوانات.
الفرق بين ما فعله ذلك السفير الايراني وقتذاك في لندن، يختلف عما حاول اللاجيء في المانيا فعله حالياً، لأن الأخير كان على علم بالقوانين الالمانية، وسعى إلى أحياء شعيرة الذبح، سراً، ونسى أن للجيران الألمان عيوناً.