منصة الصباح

عن زياد الرحباني

نوتة

بقلم / د. نورالدين محمود سعيد

أستاذ الفنون المرئية في الجامعات الليبية

الفنان تحديداً، غالباً ما يتربى في أجواء، أو لنقل يفرض على نفسه التربية في أجواء مندمجة مع أساليب عديدة، بمعني أن الشخصية تتربى في كوكتيل فني وأدبي وشعري من كل أنحاء الكرة الأرضية، تتشابك هكذا مع هذه الأساليب، فترة لابأس بها من الزمن، ثم تبدأ تتخلص تدريجياً من هذا الإرث العالمي، إلى أن تسوق نفسها باعتدال في طريقها اطربق الصعود الخاص بهاب، تحلق من خلاله إلى أوسع مدى، وتعود لتهدأ من خلاله أبداً، لتطلب الراحة قليلاً، ثم تطير من جديد، شخصية تماسكت بعد عناء كبير، وخبرة من شتى الأساليب إلى أن هجعت تحت طينتها هي، وأسلوبها، شخصية مثل هذه مهما كانت قلقة، فإن ما تقوله لايمكن أبداً أن يستهان به، زياد الرحباني حسب رأيي الشخصي، تربى هكذا، ودرب نفسه بمعاناة كبيرة، وتجربة عظيمة، قيل الكثير حول زياد، إيجاباً وسلباً أيضاً، وكادوا يسلبونه حتى تطلعاته وحريته التي يحلم أن يؤسس من خلالها موسيقاه الخاصة، والتي لن تكون بأي حال من الأحوال ناصلة، أو منفكة من تراثها العربي، ولا من أصالتها، رغم تربيتها الشمولية التي جائت لاحقة على تربيتها المحلية، أقصد التربية الفنية هنا، والذوقية على وجه الدقة، قد لا يتفق البعض مع زياد، ولا مع هذا الكلام الذي أسوقه حوله هنا، منذ أمد وأنا مأخوذ بهذه الشخصية، بما تعمله، لستُ مأخوذاً بالمعنى أنني مؤيد له أو معارض، لا، ولكنني منتبه جداً لما يفعل، وقد تفهمت قليلاً ما يصبو إليه وقد وصل في الكثير من المواضع، زياد محق حين يتألم مما يرى أو يسمع من موسيقى عربية حديثة، من أصوات فنية قد نراها عظيمة، وهي ليست كذلك، زمان لم يتفق الكثير من الأصدقاء معي، حين قلت أن فنانة بحجم لطيفة العرفاوي مثلاً، لها شكل وحضور بديع لكنه يفتقر إلى صوت يتماثل معه، لطيفة صوتها لا يطرب كثيراً، ، وكذا أصالة في بعض المواضع، حقيقة هذا رأيي، كلاهما يمتلك كاريزما الحضور، ويفتقر إلى صوت الطرب، ومن جهة أخرى ربما نجد (بعض) الميوعة عند كاظم الساهر، تثير بعض السأم عند بعضنا، كاظم فنان ومطرب لولا أنه يغرق في ميوعة تأثيث التأنيث، ويكثر للأسف من الغناء بهذه الطريقة، في رسائل يريد منها أن يطرب طرف رقيق، أو لنقل جنس لطيف، فيما الفلاحون يحتاجون إلى صوته بطريقة أخرى، لا أريد الإطالةهنا بالذات، كل ما في الأمر، أن لقاءاً مع زياد رحباني تمعنت الإصغاء إليه، ورؤيته في ذات الوقت، لقاء متلفز، فيه آراء خاصة وحرة وغير متكلفة لفنان أفضله كثيراً عن غيره، في صنع الألحان والموسيقى، لقاء أثارني فعلاً، أثارتني نقاوته، وكأنه يتحدث نيابة عن بعض الأذواق، وبكل شجاعة، وهو حر تماماً، حيرة كبيرة هنا فعلاً، ولعلي لاحظت كذلك، أن المذيع لم يفهم بالضبط ما يريد زياد قوله، للأسف وكأن لبنان العظيم خلا تماماً من مذيعيه الجبابرة الذين تربت بعض من ذائقتنا على أيديهم، مذيع لم يوفق في فهم ما يرمي إليه زياد من مغزى للأسف، سأله عن أصالة وإليسيا وأحلام، إلى الدرجة التي حنق فيها زياد، وهو ليس حاقداً بل حانقاً أو لنقل متألماً، لما وصلت إليه الموسيقى العربية من مستواً لا يليق بها ولا بزمانها الجميل الماضي، إلى الدرجة التي قال فيها أن أحلام تشبه بعض مآسي الأمة في صوتها، وهذا رأيه وهو حر، خصوصاً وأن زياد، يتجاوز الرأي العلمي، ليصل إلى رأيه الخاص بالكثير من العرفانية التي تختلف عن العلمية، لأنها أعمق بكثير، وأكثر صعوبة، العرفانية التي تمزق وشاح الغبش، لتنتقل إلى براح أوسع، زياد يمتلكها لأنه ينسج أنغامه من صلبها من خلال قلبه، زياد الذي لو توقف عند لحنه اقداش كان فيه ناسب لكفاه طوال حياته، فما بالك بباقي روائعه.

شاهد أيضاً

المنفي يبحث عودة السفارة الصينية واستئناف عملها بطرابلس

  ناقش رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، عودة السفارة الصينية واستئناف عملها بالعاصمة طرابلس. جاء …