زكريا العنقودي
انا ولد مطبعة وكبرت من عمري 15 العام بين الحبر والاوراق ، وللعلم فقط ، قديماً كانت الحروف كما الحديد ، تصهر بالزنك والرصاص والنار .. وكانت الاورام تنهش اجساد زملائنا تباعا ولم يكن لدينا وقت لنبكي رحيلهم ، فكنا نبكيهم ونحن وقوفا على الطابعة وهي تلف وتدور كقاطرة لا تتوقف لتصدر اعداد الصحف لليوم التالي لتكون على رفوف المكتبات على تمام الموعد المحدد .
كان حينها يكاد وزن السطر الواحد في خبر او مقال يصل الى 200 جرام ، اما الصفحة الواحدة وبعد ان تجهز فتحتاج لرفعها لجهد اربع رجال .
فارجوكم معادش يسألني حد علاش مستمر بالعمل كصحفي ، ومصر على الاصدار الورقي ، في عصر الانترنت وهيمنة صفحات الويب والسوشيال ميديا .
اعلم ان العالم تغير ، وان التقنية قدمت حلول اسرع واجابات اكثر سهولة ، وانا وزملائي ندرك هذا ولسنا ضده .
لكننا .. لا نملك اي اجابة على اسئلتكم الان ، سوى ان نجتهد و نستمر في الصدور لكي لا تموت الصناعة وتنقرض الطباعة .
بالمقابل نحن بصحيفتنا (والتي اشتغل وزملاىي بها على الاقل ) ، لا نغرد خارج السرب ، ولا نقف ضد التيار ، كذلك لسنا بغافلين عن السرعة التي يتغير بها العالم .
لذلك نحن نتطور ايضا ، في خرائطنا وشكلنا الفني وسياسة تحريرنا ، لذا اخرجنا الاخبار جانباً ونهائيا من متن صحيفتنا ،و الغينا كل مادة صحفية لا تملك جدوى او مبرر لصدورها في ظل المتغيرات التي فرضتها التقنية ، بثنا نتجدد كل يوم و نطرح قضايا ونجيب على اسئلة لا يجيب عنها الانترنت ، ولا هواتفنا ولا السوشيال ميديا .
نحن لازلنا في طور المحاولة ، وورشتنا الصحفية منفتحة على كل ماهو جديد ، فنحن نعي ان تجربتنا تحتاج المزيد من الجهد والوقت والمثابرة لكي تكتمل .
مع ذلك كل يوم نسعى لنجعل لوجودنا بالمكتبة و على سطح المكتب و بديوان المعرفة مبرر وجدوى ..
وهذا ليس عناد ، لكنه طبع من تعلم أن الحروف كانت لكي تصل لعشاقها
لم تكن في متناول الانامل كما هو الحال الان
لكنها كانت صبراً طويلاً
زنك
ونار
ورصاص واورام .