نوتة
د. نورالدين محمود سعيد
أستاذ الفنون المرئية في الجامعات الليبية
اللقطة (freeze frame) أو اللقطة المجمدة، من متحركة إلى فوتوغراما Fotogramma ساكنة، لكنها مستمرة في سريانها عبر حركة الفيلم داخل آلة التصوير، حتى النهاية، لقطة تمثل حالة جمالية نادرة الحدوث، استخدمها المخرج سيرجيو ليوني هنا، في هذا الفيلم، Once Upon A Time In America احدث ذات مرة في أميركاب؛ طالما تناقشت مع الأصدقاء المتخصصين في المرئيات حولها، والحقيقة أنني آثرت استخدم اصطلاح االخلية الجدعية للفيلمب لأول مرة كعنوان مبتكر من عندي، في دراساتي النقدية، ولعلي أول من استعان باصطلاح الفوتو جرامّا Fotogramma الذي أشرت إليه قبل قليل، لقربي من التراجم عن الإيطالية في هذا الصدد الخاص بتخصصي، في الدراسات السيميائية للقطة، وكنت أخذت الاصطلاح بشكل مباشر من رولان بارث في كتابه الواضح والمنفرج L]ovvio e l]ottuso، والذي لم يترجم إلى العربية بعد كاملاً، باستثناء ذلك الجهد المتواضع الذي قمت به في ترجمتي لبحثه حول المغزى الثالث Il terzo senso، وقد نشرته مجلة ألوان الكويتية، وكذلك إيلاف الإنجليزية، وديوان العرب الأمريكية، أقول هذا لأريح حالة العناد التي واجهتني من قبل بعض المناكفين المتحدثين مع الفراغ والمشاكسين بالهراء بلا دلائل، في هذه اللقطة بالتحديد (صورة تستمر في الحركة، ثم تتوقف للقطة تتتحرك، لقطة نهاية للمثل المبدع، روبيرت دينيرو، ينظر إلى آلة التصوير مباشرة ثم يبتسم، ثم يتم تجميد ابتسامته، من نفس الفيلم المذكور، ذات مرة في أمريكا، من بطولة دينيرو نفسه، إنه ممثل ينازع في تقمصه الدور بين شخصيته في صورته الحقيقية كإنسان رقيق، وبين ممثل يبني أفعاله بكل حرفية وعشق في دور ملزم مخلوط بين الإجرام والرومانسية، بإعطائه على حقيقته، اللقطة الجامدة أو المجمدة هنا تمثلت في ابتسامة ونظرة في وجه الكاميرا بشكل مباشر، وهي إحالة بلاغية تعني الكثير من الدلالات، لعل من بينها أن الحياة ليست أكثر من شريط ذكرى يمر قصيراً، لعلّها أيضاً ابتسامة سخرية في وجه المظالم، ولعلّها تفسر قدراً ما، أو ربما تفسر تراجيديا بأسرها، أو هزل كامل. يبقى روبيرتو دي نيرو أحد أهم أساطين السينما الأمريكية عبر تاريخها، ممثل دراماتورجيا يستطيع من خلال تقمصه لدوره بإبداع، أن يكون المجرم الشرير، والعاشق الرقيق في ذات الوقت، وقد يكون في نفس الفيلم، فيتحول بسلاسة منقطعة النظير من مجرم أو رئيس في مافيا، إلى عاشق مرهف جداً، الخلاصة أن دي نيرو، بالنسبة لي، أحد أقرب الممثلين إلى ذائقتي، وأهمهم، وأفضله على الكثيرين، وربما يتفوق في بعض الأدوار على مارلون براندو أيضاً، سيرجيو ليوني المخرج، كان يدرك هذا، وكان يريد من خلال الفيلم بعث رسائل مشفرة لعشاق السينما من خلال هذا الممثل بالذات، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى نراه يرسل شيفرات للرسائل ذاتها كي تصل إلى جمهور وسائط إتصال لم يعهد في تاريخه أن اللقطات هي جمل مرئية ليست غرضها أن تحمل رسالة إعلامية إخبارية، بقدر ما أنها تريد أن تكون في حالة امتثال للدال والمدلول، وسيمفونية ضوئية نادراً ما تجد بين الوسائط الأخرى ما يوازيها في الجمال. الفيلم وإن عرض خارج المسابقة الرسمية في مهرجان كان السينمائي في دورته الـ 37، لأسباب مجهولة، فإن أغلب النقاد المتخصصين، يصنفونه من أجمل الأفلام السينمائية في تاريخ السينما بأسره، فيلم حالم يستعرض الفضاء السحري للذاكرة.