منصة الصباح

عن‭ ‬الجامعة‭ ‬والنخبة‭(‬2‭ /‬2‭ )‬

بقلم / ياسين‭ ‬محمد‭

الحديث‭ ‬عن‭ ‬النخبة‭ ‬اليوم‭ ‬يستدعي‭ ‬بالضرورة‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬الفئة‭ ‬أو‭ ‬الطبقة‭ ‬المتعلمة‭ ‬وبما‭ ‬أن‭ ‬لكل‭ ‬مجموعة‭ ‬اجتماعية‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬غرامشي‭ ‬جماعة‭ ‬المثقفين‭ ‬الخاصة‭ ‬بها،‭ ‬فانا‭ ‬اقصد‭ ‬نخبة‭ ‬الطبقة‭ ‬المتعلمة‭ ‬التي‭ ‬يحتويها‭ ‬فضاء‭ ‬الجامعة‭ ‬والتي‭ ‬من‭ ‬المفترض‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬المصب‭ ‬الأخير‭ ‬الذي‭ ‬يحتوي‭ ‬كافة‭ ‬تناقضات‭ ‬الحاضنة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬للأفراد‭ ‬والجماعات‭ ‬واقصد‭ ‬بها‭ ‬الدولة‭ ‬الوطنية‭ ‬وهذه‭ ‬الروافد‭ ‬تشكلها‭ ‬النخب‭ ‬الأخرى‭ ‬لرجال‭ ‬الإعلام‭ ‬والصحافة‭ ‬والنقابات‭ ‬والقانون‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬خارج‭ ‬إطار‭ ‬الجامعة‭ ‬ولا‭ ‬أريد‭ ‬الإطالة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الشأن‭ ‬فهو‭ ‬أمر‭ ‬معروف‭ ‬ولا‭ ‬يحتاج‭ ‬إلي‭ ‬زيادة‭ ‬إيضاح‭.‬
‭.‬في‭ ‬صيحته‭ ‬بعنوان‭ ( ‬الجامعة‭ ‬تجهر‭ ‬بالحقيقة‭ )‬يعترف‭ ‬دريدا‭ ‬بأن‭ ‬الجهر‭ ‬بكل‭ ‬ماهو‭ ‬حقيقي‭ ‬من‭ ‬داخل‭ ‬الجامعة‭ ( ‬لم‭ ‬تقم‭ ‬له‭ ‬قائمة‭ ‬ولم‭ ‬يحترم‭ ‬أبدا‭) ‬إلا‭ ‬انه‭ ‬يلح‭ ‬ويقول‭ : ‬
‭( ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬فأنا‭ ‬ألح‭ ‬علي‭ ‬وجوب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬فكرة‭ ‬هذا‭ ‬الفضاء‭ ‬الأكاديمي‭ ‬محمية‭ ‬رمزيا‭ ‬بنوع‭ ‬من‭ ‬الحصانة‭ ‬المطلقة‭ )     ‬
إلا‭ ‬أننا‭  ‬اليوم‭ ‬لا‭ ‬نجد‭ ‬شيئا‭ ‬مما‭ ‬يتحدث‭ ‬عنه‭ ‬دريدا‭ ‬،جل‭ ‬ما‭ ‬نجده‭ ‬هو‭ ‬مجرد‭ ‬قبول‭ ‬طوعي‭ ‬لمسلمات‭ ‬خارجية‭ ‬تهيمن‭ ‬وتسيطر‭ ‬علي‭ ‬الخطاب‭ ‬النقدي‭ ‬داخل‭ ‬الجامعة‭  ‬إذا‭ ‬فمن‭ ‬الطبيعي‭ ‬اليوم‭ ‬توجيه‭ ‬تساؤلاتنا‭ ‬ونقدنا‭ ‬لهذه‭ ‬الجامعة‭ ‬أو‭ ‬بالأحرى‭ ‬إلى‭ ‬نخبتها‭ ‬المتعالية‭ ‬والرافضة‭ ‬لكل‭ ‬خطاب‭ ‬خارج‭ ‬مفرداتها‭ ‬الجامعية‭ ‬المهترئة‭ ‬وخارج‭  ‬أسوار‭ ‬تعريفاتها‭ ‬لهذه‭ ‬النخبة‭ ‬
وأمام‭ ‬هذا‭ ‬الكلمات‭ ‬لا‭ ‬املك‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬اطرح‭ ‬بعض‭ ‬التساؤلات‭ ‬الأخرى‭ ‬فأقول‭ :‬
هل‭ ‬الجامعة‭ ‬اليوم‭ ‬كيان‭ ‬مستقل‭ ‬ويمتلك‭ ‬الحصانة‭ ‬الرمزية‭ ‬؟‭ ‬أو‭ ‬بصيغة‭ ‬أخرى‭ ‬هل‭ ‬هي‭ ‬موجودة‭ ‬اليوم‭ ‬كجامعة‭ ‬بدون‭ ‬قيد‭ ‬أو‭ ‬شرط‭ ‬؟
هل‭ ‬نملك‭ ‬اليوم‭ ‬مؤسسة‭ ‬جامعية‭ ‬تجهر‭ ‬بالعقيدة‭ ‬البحثية‭ ‬وتعبر‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬علانية؟‭ ‬
هل‭ ‬ما‭ ‬تتعرض‭ ‬له‭ ‬الجامعة‭ ‬ونخبتها‭ ‬اليوم‭ ‬من‭ ‬تخبط‭ ‬هو‭ ‬نتيجة‭ ‬تلك‭ ‬الاستقلالية‭ ‬وهل‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬يجعلها‭ ‬قابلة‭ ‬للاستسلام‭ ‬والخضوع‭ ‬بدون‭ ‬شرط‭ ‬؟‭ ‬الجواب‭ ‬بالتأكيد‭ ‬سيكون‭ ‬بالنفي،‭  ‬
لدينا‭ ‬اليوم‭ ‬نخبة‭ ‬جامعية‭ ‬تنقسم‭ ‬الى‭ ‬قسمين‭  ‬قسم‭ ‬تمثل‭ ‬الفكر‭ ‬الغربي‭ ‬المادي‭ ‬الاستهلاكي‭ ‬العلمي‭  ‬دون‭ ‬فهم‭ ‬لمرجعياته‭ ‬وقواعده‭ ‬وهو‭ ‬يخشى‭ ‬اليوم‭ ‬الجهر‭ ‬بهذه‭ ‬العقيدة‭ ‬الفكرية‭ ‬كما‭ ‬يسميها‭ ‬دريدا‭ ‬وقسم‭ ‬آخر‭ ‬يمثل‭ ‬حالة‭ ‬النكوص‭ ‬العكسي‭ ‬بالعودة‭ ‬إلى‭ ‬الفكرة‭ ‬المسبقة‭ ‬الأولية‭ ‬المحلية‭ ‬كمرجعية‭  ‬وكلاهما‭ ‬يمثل‭ ‬شكلا‭ ‬من‭ ‬أشكال‭ ‬فشل‭ ‬النخبة‭ .‬
والنتيجة‭ ‬باختصار‭ ‬شديد‭ ‬اليوم‭ ‬هزيمة‭ ‬المجموعة‭ ‬الليبرالية‭  ‬أمام‭ ‬المجموعة‭ ‬المؤدلجة‭ ‬ولا‭ ‬مناص‭ ‬اليوم‭ ‬من‭ ‬الاعتراف‭ ‬باضمحلال‭ ‬الجذر‭ ‬الرياضي‭ ‬العلمي‭ ‬وتراجعه‭ ‬أمام‭ ‬توسع‭ ‬وامتداد‭ ‬الجذر‭ ‬الديني‭ ‬هذه‭ ‬النخبة‭  ( ‬الليبرالية‭ )‬لا‭ ‬تستطيع‭ ‬اليوم‭ ‬أن‭ ‬تخلص‭ ‬عرينها‭ ( ‬الجامعة‭) ‬من‭ ‬الإيديولوجية‭ ‬الجاثمة‭ ‬على‭ ‬رأسها‭ ‬بل‭ ‬وحتى‭ ‬لا‭ ‬تستطيع‭ ‬أن‭ ‬ترتقي‭ ‬بها‭ ‬إلى‭ ‬مستوى‭ ‬التخلص‭ ‬من‭ ‬التجاذبات‭ ‬السياسية‭ ‬،‭ ‬هذه‭ ‬النخبة‭  ‬هي‭ ‬ذاتها‭ ‬التي‭ ‬تنتشي‭ ‬اليوم‭ ‬بدون‭ ‬تواضع‭ ‬بذاك‭ ‬التعالي‭ ‬على‭ ‬الكل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬بامتلاكها‭ ‬سطوة‭ ‬المعرفة‭ ‬متجاهلة‭ ‬عجزها‭ ‬حتى‭ ‬عن‭ ‬صياغة‭ ‬خطاب‭ ‬ايجابي‭ ‬اليوم‭ ‬ليس‭ ‬اقله‭ ‬اقناع‭ ‬الناس‭ ‬بالالتفاف‭ ‬حول‭ ‬المؤسسة‭ ( ‬الجامعة‭ ) , ‬باختصار‭ ‬مجموعة‭ ‬فشلت‭  ‬في‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬مهنة‭ ‬الأستاذ‭ ‬أو‭ ‬المدرس‭  ‬إلى‭ ‬مهنة‭ ‬المفكر‭ ‬أو‭ ‬المثقف‭ ‬الذي‭ ‬يحرر‭ ‬الفكر‭ ‬من‭ ‬المهنة‭  ‬باعتبار‭ ‬الجامعة‭ ‬منتج‭ ‬للمعنى‭ ‬منتج‭ ‬للفكرة‭ ‬لتقدمها‭ ‬جاهزة‭ ‬إلى‭ ‬جمهورها‭ ‬داخل‭ ‬وخارج‭ ‬الجامعة‭ ‬او‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬الجابري‭ ‬مستشهدا‭ ‬ومقتبسا‭ ‬من‭ ‬قول‭ ‬دي‭ ‬لايبيرا‭ : ( ‬تحرر‭ ‬الفلسفة‭ ‬من‭ ‬المهنة‭  ‬‮«‬‭ ‬مهنة‭ ‬الأستاذية‭ ‬بين‭ ‬جدران‭ ‬الجامعات‭ ‬‮«‬‭ ‬هي‭ ‬العلامة‭ ‬التي‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬اللحظة‭ ‬الحقيقية‭ ‬لميلاد‭ ‬المثقفين‭ ‬وبالتالي‭ ‬تنظيم‭ ‬تعليم‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يجلب‭ ‬إليه‭ ‬جمهورا‭ ‬من‭ ‬المستمعين‭ ‬من‭ ‬خارج‭ ‬الجامعة‭ ) ‬
مجموعة‭ ‬فشلت‭ ‬في‭ ‬بث‭ ‬الفكر‭ ‬النقدي‭  (‬هذا‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬كانت‭ ‬تعلم‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬أحد‭ ‬أهدافها‭)  ‬فشلت‭ ‬في‭ ‬إرباك‭ ‬الأداء‭ ‬الإيديولوجي‭ ‬الخصم‭ ‬داخل‭ ‬الجامعة‭ ‬بل‭ ‬أن‭ ‬الكارثة‭ ‬هي‭ ‬مشاهدة‭ ‬ذلك‭ ‬الاصطفاف‭ ‬النخبوي‭ ‬اللامفهوم‭ ‬وراء‭ ‬الجدار‭ ‬المؤدلج‭ ‬لصد‭ ‬كل‭ ‬نقد‭ ‬حداثي‭ ‬ومعرفي‭ ‬باعتبار‭ ‬الجامعة‭  ‬مؤسسة‭ ‬لترويج‭ ‬الفكر‭ ‬النقدي‭ ‬بين‭ ‬مكونات‭ ‬الجامعة‭ ‬وكان‭ ‬من‭ ‬المفترض‭ ‬ان‭ ‬تؤسس‭ ‬القاعدة‭ ‬المثقفة‭ ‬وترفع‭ ‬مستوى‭ ‬الوعي‭ ‬بداخلها‭ .‬
انه‭ ‬من‭ ‬المؤسف‭ ‬اليوم‭ ‬مشاهدة‭ ‬النخبوي‭ ‬الجامعي‭ ‬وهو‭ ‬يعمل‭ ‬على‭ ‬هدم‭ ‬تلك‭ ‬اللبنة‭  ‬الطرية‭ ‬بمعوله‭ ‬المعرفي‭ ‬المشوه‭ ‬الممهور‭ ‬بأختام‭ ‬جامعات‭ ‬الغرب‭ ‬وتحت‭ ‬هذا‭ ‬الغطاء‭ ‬لنخبة‭ ‬مُعادة‭ ‬التصنيع‭ ‬والتدوير‭ ‬السيئ‭ ‬تمارس‭ ‬ذلك‭ ‬الهدم‭  ‬بإنتاج‭ ‬خريج‭ ‬جامعي‭ ‬صالح‭ ‬فقط‭ ‬لقيادة‭ ‬السيارات‭ ‬ذاتية‭ ‬الحركة‭ ‬نحن‭ ‬اليوم‭ ‬أمام‭ ‬نخبة‭ ( ‬نجحت‭ ) ‬مجازا‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬الشأن‭ ‬الطلابي‭ ‬بأقل‭ ‬الأضرار‭ ‬الممكنة‭ ‬لأعداد‭ ‬هائلة‭ ‬من‭ ‬الجامعيين‭ ‬وكان‭ ‬أيضا‭ ‬من‭ ‬ابرز‭ ‬نجاحاتها‭  ‬إصابتنا‭ ‬بالتخمة‭ ‬الأكاديمية‭ ‬لأصحاب‭ ‬الشهادات‭ ‬العليا‭ ‬من‭ ‬فئة‭ ‬المدرسين‭ ‬والأساتذة‭ ‬نخبة‭ ‬فشلت‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬عجلة‭ ‬المجموعة‭ ‬الوطنية‭ ‬وأخذ‭ ‬زمام‭ ‬المبادرة‭ ‬وتكوين‭ ‬جمهور‭ ‬من‭ ‬المستمعين‭ ‬من‭ ‬خارج‭ ‬الجامعة‭ ‬نخبة‭ ‬فشلت‭ ‬في‭ ‬الولوج‭ ‬إلى‭ ‬الشأن‭ ‬العام‭ ‬وكان‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬منجزاتها‭ ‬عدم‭ ‬التفريق‭ ‬اليوم‭ ‬بين‭ ‬خطاب‭ ‬الشارع‭  ‬والخطاب‭ ‬داخل‭ ‬أروقة‭ ‬الجامعة‭ ‬نخبة‭ ‬تخاذلت‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬الحراك‭ ‬اللا‭ ‬سلمي‭.‬
بينما‭ ‬اصمت‭ ‬آذاننا‭ ‬بخطابها‭ ‬المؤدلج‭ ‬وبطولاته‭ ‬الدون‭ ‬كيشوتية‭ ‬،‭ ‬نخبة‭ ‬سقطت‭ ‬في‭ ‬فخ‭ ‬الموروث‭ ‬النفسي‭ ‬لحقبة‭ ‬طويلة‭ ‬من‭ ‬الاتجاه‭ ‬الواحد‭  ‬وسمحت‭ ‬لتيارات‭ ‬مخالفة‭ ‬بقيادتها‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬تعلم‭ ‬وما‭ ‬لا‭ ‬تعلم‭ ‬،‭ ‬نخبة‭ ‬غير‭ ‬قادرة‭ ‬حتى‭ ‬على‭ ‬طرح‭ ‬وحل‭ ‬مشاكلها‭ ‬الداخلية‭ ‬نخبة‭ ‬قد‭ ‬يشكل‭ ‬تخاذلها‭ ‬وتساقطها‭ ‬غير‭ ‬المعلن‭ ‬اليوم‭ ‬صرخة‭ ‬مدوية‭ ‬وكارثية‭  ‬في‭ ‬المستقبل‭ ‬القريب‭ ‬
والسؤال‭ ‬الأخير‭ ‬الذي‭ ‬أطرحه‭ ‬اليوم‭  : ‬ما‭ ‬هو‭ ‬مستقبل‭ ‬الجامعة‭ ‬؟‭ ‬

 

شاهد أيضاً

كتاب “فتيان الزنك” حول الحرب والفقد والألم النفسي

خلود الفلاح لا تبث الحرب إلا الخوف والدمار والموت والمزيد من الضحايا.. تجربة الألم التي …