اليوم العالمي لمكافحة عمالة الاطفال
هل انت راضٍ يا إقبال؟؟؟
إعداد : صالحة هويدي
ربما يذكر البعض إقبال مسيح الطفل الباكستاني الذي أصبح رمزا لمكافحة الاسترقاق وعمالة الاطفال.
بيع إقبال وهو في الخامسة من عمره، من قبل عائلته، للعمل في معمل سجاد لسداد ديون مستحقة عليهم لصاحب المعمل، تضاعفت الديون ربويا، لتسرق من عمره سبعة أعوام، في أوضاع عمل عاشها هو و اقرانه أقل ما توصف به بالماساوية، حاول خلالها الهرب أكثر من مرة إلى أن نجحت إحدى محاولاته و احتمى بجبهة تحرير العمال المستعبدين و الأطفال في باكستان.
عقب تحريره ساعد إقبال في تحرير 3000 طفل على الهروب، و القى العديد من الخطابات حول عمالة الاطفال، و جال بعض دول العالم متحدث عن تجربته الشخصية و عن رغبته في إكمال تعليمه ليصبح محاميا يدافع عن حقوق الاطفال، و استطاع أن يدرس أربعة أعوام دراسية في عامين.
نال جائزة ريبوك لحقوق الإنسان في بوسطن في زيارة له للولايات المتحدة الأمريكية و بعد عودته من امريكا قتل إقبال في 15 أبريل 1995.
إقبال مسيح و 3000 طفل الذين فروا من مصيرهم المحزن و كل أطفال العالم بمختلف الوانهم و انتماءتهم انضووا تحت معاهدة حقوق الطفل و التي كانت بمثابة تتويج لما يزيد عن ستة عقود من العمل على تطوير و تدوين القواعد الدولية المعنية بحقوق الطفل، و اعتبرت الاتفاقية بمثابة قائمة فريدة في شمولها لمعايير حقوق الإنسان المتعلقة بالأطفال، من كافة النواحي اقتصاديا و اجتماعيا و ثفاقيا، و بوضع الاطفال في النزاعات المسلحة و الاطفال اللاجئين، و حظيت الاتفاقية بما يشبه الإجماع العالمي، و اعتمدت في 20 نوفمبر 1989 و دخلت حيز التنفيذ في 1990 بالإضافة إلى عدة بروتوكولات ملحقة في الإعوام 2000 بشأن اشتراك الاطفال في الأعمال المسلحة و استغلالهم في البغاء و بروتوكول 2008، المتعلق ببيع الاطفال.
و من موادها حق الأطفال في التوجيه الأسري و حقهم في الماكل و الملبس و في التعليم و الهوية و عدم التميز بين جميع الاطفال، وحمايتهم من العمل المؤذي و أحقية الاطفال في الحماية من القيام بالأعمال الخطرة او الأعمال التي تمنعهم من الحصول على التعليم.
و تاكيدا من المجتمع الدولي على هذا البند أطلقت منظمة العمل الدولية اليوم العالمي لمكافحة عمالة الاطفال التي انتشرت و ازدادت في كافة أنحاء العالم وذلك اعتبارا من 12 يونيو 2002 لإدانة عمالة الاطفال و ما تلقيه من أعباء ثقيلة على كاهل الطفل و ما تشكله من خطر على حياته.
و رفع هذا العام 2023 شعار ( حماية اجتماعية شاملة لإنهاء عمالة الاطفال ) و ذلك بزيادة الاستثمار في أنظمة و خطط الحماية من أجل انشاء أرضية قوية للامان الاجتماعي، فأنظمة الحماية الحكومية ضرورية لمحاربة الفقر و منح الحماية الاجتماعية هي حق من حقوق الإنسان و أداة سياسية فعالة لمنع الأسر من الزج بأطفالهم إلى جحيم الحياة العملية المبكرة التي تحرمهم من أبسط حقوقهم و بلغ عدد الاطفال العاملين نحو 168 مليون طفل.
و انخفض هذا العدد بنحو 78 مليون حسب تقارير عام 2000 كما أحرز تقدم في الحد من عمالة الاطفال على مدى العقدين الماضيين الا انه عاد ليتباطا بل أنه توقف خلال الفترة 2016 – 2020، إذ لا يزال 160 مليون طفل منخرطين في أعمال منهكة وبعضهم لا تتجاوز أعمارهم 5 أعوام، منهم.
79 مليون طفل يعملون في ظل ظروف استغلالية على سبيل المثال في المزارع و المناجم، و تتزايد الأعداد نتيجة لأسباب عدة منها التغيرات المناخية و النزاعات المسلحة و جائحة كورونا.
و تحتل القارة الأفريقية المرتبة الأولى بتعداد يصل إلى 72 مليون طفل، و منطقة اسيا و المحيط الهادي بنحو 62 مليون طفل فالحماية الاجتماعية شملت فقط 46.9% من سكان العالم بينما ترك 53.1% ، اي ما يصل لنحو 4.1 مليار شخص غير محمين بل أن تغطية الأطفال أقل ما يقرب من ثلاثة أرباع، اي حوالي 1.5 مليار طفل يفتقرون للحماية الاجتماعية ..
مما لاشك فيه أن المعاهدات غطت و بشكل كبير كل احتياجات الاطفال و أكدت على حقوقهم، الا أن المحك الحقيقي هو المحك العملي حيث لا زالت الكثير من الدول تفتقر للإرادة لتحقيق الحماية الاجتماعية، أما بسبب أنظمة سياسية فاسدة تتقاطع مصالحها مع مصالح رجال الأعمال بغض النظر عن طبيعة النشاط الاقتصادي او من يقوم به، أو بسبب أنظمة اجتماعية و تراتبية ظالمة، تجعل من الاطفال حتى قبل أن يولدو مستعبدين، و عبيد حتى الممات، او بسبب نزاعات تغذى خارجيا لتترجم حروب مستعرة يسعى فيها كل طرف للفوز بغض النظر عنمن يحمل السلاح.
ففي كل هذه الظروف، يظل الأطفال الطبقة الهشة الضعيفة المتاثرة بقوة.
مع كل هذا هل انت راضي يا إقبال على ما أنجز لا أعتقد، و لكاني بت أخشى ما أخشاه أن تتحول كل تلك المعاهدات و البروتوكولات و الأيام الدولية إلى كلمات مكتوبة بخط أنيق و الوان مبهرة، ليست من صنع الاطفال..