علي عاشور
ما الذي يحدث في رمضان؟ هل أصبح الليل هو اليوم والنهار هو الليل؟ وهل أصبح جل الليبيين في سباتٍ عميق طيلة ساعات النهار استعداداً لرحلةٍ طويلة من السهر والتسلية الليلية التي تمتد حتى بزوغ الشمس؟ يبدو أن هذا هو السلوك السائد، فمتى تحولنا إلى كائنات ليلية؟ ولماذا أصبحت ساعات العمل خلال هذا الشهر الكريم مجرد منافسة في التمثيل الوظيفي؟
المتجول في شوارع المدن الليبية صباح رمضان سيجد نفسه وكأنه في مدينة أشباح، حيث لا تكاد ترى في الشوارع سوى عمال النظافة – الذين يستحقون وسام الشرف على انضباطهم – وهم يعملون بحرية تامة، وكأنهم الكائنات الوحيدة التي لا تزال تعترف بتعاقب الليل والنهار، أما بقية المواطنين، فهم في مرحلة (البيات الرمضاني)، يغطون في نومٍ عميق، بعد أن أنهكهم السهر في متابعة المسلسلات، والجلسات الليلية المطولة في المقاهي، ولعب الكارطة، والتجوال في الشوارع، وتصفح مواقع التواصل الاجتماعي.
الحكومة بدورها حاولت مراعاة الوضع، فقررت أن تحدد ساعات العمل داخل مؤسساتها، حيث أقرت بأن تبدأ من التاسعة صباحاً وحتى الثانية بعد الظهر، لكن يبدو أن هذا القرار لم يلقى شعبية كبيرة عند الموظفين، فغالبيتهم يواجهون صراعاً داخلياً محوره سؤال مصيري: هل أذهب إلى العمل وأغامر بإفساد نومي المقدس، أم أستمتع ببضع ساعات إضافية من الغيبوبة الصباحية؟ وغالباً ما تنتهي هذه الحيرة العميقة برفع راية الاستسلام والتغيب عن العمل، لاسيما أن يوم أغلب الليبيين في شهر الصيام يبدأ مع صلاة الظهر.
أما ما يزيد الطين بله، فهو تزايد الطلبات على الإجازات بمختلف أنواعها قبيل أو مع دخول رمضان، وكأن الشهر الكريم أصبح مبرراً شرعياً للهروب الجماعي من الأعمال والمسؤوليات، فتجد أحدهم يقدم طلب إجازة مرضية، وزميلته تطلب إجازة سنوية، بينما يستصدر مدير الإدارة إجازة طارئة لا يعرف سببها سوى أن رمضان قد اقترب، وعلى الموظف أن يدخل معه في إجازة إجبارية، فالصيام عبادة، والعبادة عندهم تحتاج إلى تفرغ… تفرغ تام عن أي نشاط قد يشبه العمل بأي شكل من الأشكال، لاسيما إذا كان يستدعي الاستيقاظ من النوم قبل التاسعة صباحاً كل يوم.
لهذا تجد المؤسسات العامة الليبية تعاني من شلل وظيفي شبه كامل في هذا الشهر الفضيل، بينما تتحول الأسواق الشعبية والمقاهي إلى مهرجانات ليلية زاخرة بالحياة، حيث تبدأ الحركة الحقيقية بعد الإفطار، ويستمر النشاط حتى ساعات الفجر، وفي الصباح يتكرر نفس السيناريو، شوارع خاوية ومؤسسات شبه مشلولة ومواطنون غارقون في سبات عميق، مستعدون لجولة جديدة من السهر والكسل.
وفي ظل هذا الوضع يتساءل القلة: هل نحن في سباق مع الزمن، أم في سباق مع النوم؟ وهل بات رمضان موسماً للصيام عن العمل، بدلًاً من كونه شهر البركة والاجتهاد والعمل؟ يبدو أن الإجابة لا تحتاج إلى تفكير طويل… يكفي أن تنظر إلى كرسي الموظف الفارغ الذي بجانبك.