لعنة النفط بالأمس واليوم … وغدا
————-
علي الدلالي
تعتمد ليبيا في اقتصادها منذ عقود على مصدر دخل واحد هو النفط الذي تتقلب أسعاره ومستوى إنتاجه كل يوم لأسباب كثيرة ومعقدة داخليا وخارجيا ما يُعرض اقتصاد بلادنا وبخاصة أمننا القومي لمخاطر جمة.
عاش الليبيون في كل العهود التي سبقت النفط يعتمدون على أنفسهم، وكانوا يعملون في الزراعة والبناء والورش ومختلف الحرف والصناعات التقليدية إلا أن النفط أضحى لعنة في بلادنا منذ اكتشافه، وهو لعنة اليوم، وسيكون لعنة كبرى في المستقبل إذا استمر الوضع على ما هو عليه.
يعرف الجميع أن النفط غير حياة الليبيات والليبيين إلى الأحسن والأسوأ في ذات الوقت، وإن كانت الغلبة في اعتقادنا للأسوأ. ونكاد نجزم أننا لا نجد اليوم في ليبيا غربا وشرقا وجنوبا من يبني بيتا من الأساس، أو يحرث أرضا ويزرعها ويجني ثمارها أو يرعى غنما، وهي مهن كان يتقنها الليبيون ويأكلون من عرق جبينهم ومهارة أيديهم، بسبب لعنة النفط الذي قاد كذلك إلى فشل منظومة التعليم المهني في إطار فشل المنظومة التعليمية برمتها، وهي اللعنة كذلك التي رافقت انتفاضة فبراير حيث أضحى النفط السبب الأول في الحروب التي شهدتها البلاد منذ عام 2014 وهو كذلك العلة المباشرة في استمرار الصراع المدمر على السلطة والنفوذ حتى اليوم، وتكالب القوى الإقليمية والدولية على ليبيا وتدخلها السافر في الشأن الليبي.
لا أفقه في علوم الاقتصاد، والدليل أنني أعجز حتى عن إدارة إقتصاد بيتي البسيط، إلا أنني قرأت لخبراء ليبيين ودوليين تقارير صادمة وموجعة تؤكد أن زيادة الإنفاق على المرتبات في دولة مثل ليبيا، أكثر من ثلثي سكانها في سن العمل يتقاضون مرتبات من الدولة، تشكل خطرا جسيما على الاقتصاد الوطني وعلى مستقبل بلادنا.
ويؤكد هؤلاء الخبراء على أنه في حال انخفاض أسعار النفط وهو أمر متوقع في أية لحظة فإن ليبيا، “الدولة الهشة”، ستكون عاجزة عن تغطية الموازنة العامة وقد تعجز حتى عن صرف المرتبات التي تضاعفت في غياب أية مصادر أخرى للتمويل.
إن القول بنضوب “الذهب الأسود” خلال 50 أو 70 عاما قول لا معنى له، بحسب الخبراء، والحديث عن “عمر النفط” لأي دولة حديث باطل، إلا أن هؤلاء الخبراء يقولون إن الإعتماد على هذه الثروة كمصدر دخل واحد سيقود حتما إلى طرق الضياع والهلاك.
نكتب كثيرا ولكن معظم ما نكتبه يفتقر إلى الحلول. ومن هنا أزعم أنه يتعين على “المسؤولين الهواة” الذين تصدروا المشهد الليبي، الإستعانة كسائر الدول النفطية، بالخبرات الأجنبية والدولية للنهوض بالإقتصاد الليبي والطلاق مع الدولة الريعية التي فشلت في تحقيق التطور السياسي وأخفقت في خلق بيئة للنمو الإقتصادي وأفرزت أنظمة تقوم على الفساد ورشوة المواطن وانعدام سيادة القانون وغياب القضاء الشفاف والعادل وتقويض التحول الديمقراطي.
أعتقد أن بعض دول الخليج النفطية استيقظت و”أعطت الخبز للخباز” كما يُقال. ويُمكن أن تكون السعودية، أكبر منتج للنفط عالميا، مثالا على ذلك، حيث يتجه ولي العهد محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي للسعودية، إلى الطلاق مع الدولة الريعية وتفكيك أركان الدولة الثيوقراطية بعد أن ألقى بـأفكار “المتشددين” في مكبات خارج حدود بلاده.
في هذا السياق قرأت الأسبوع الماضي، تقريرا عن إطلاق السعودية مشروع “قطار الرصاصة” فائق السرعة، في إطار سياستها لترقية قطاع السياحة وتنويع مصادر الدخل، وتابعت حديثا للداعية السعودي، صالح المغامسي، على قناة “السعودية”، دعا فيه إلى وجوب إنشاء مذهب إسلامي فقهي جديد.
وأكد المغامسي “أن الفقه الإسلامي صناعة بشرية ويجب مراجعته، ولا بد من إقامة مذهب إسلامي جديد”، في الوقت الذي نطارد فيه في بلادنا اليوم “السحرة” ولسان حال المراقبين يقول “أين هؤلاء السحرة ليسحروا وزير الأمن القومي الصهيوني اليميني المتطرف، إيتمار بن غفير، لصده وأنصاره الإرهابيين عن تدنيس المسجد الأقصى المبارك في القدس المحتلة وليكف أيديه عن العدوان على المصلين والمعتكفات والمعتكفين في الأقصى في شهر الصيام”.