آمنة الهشيك – أستاذ قانون
يعد شهر رمضان شهر مقدس وأحد أركان الإسلام الخمسة وفرض عين على كافة المسلمين. إلى جانب فوائده الروحية والجسدية على الإنسان .
هل الشريعة الإسلامية حددت عقوبة للمفطر عمدا ؟ وما موقف التشريعات العربية المقارنة بشكل عام والقانون الليبي بشكل خاص من المجاهر بالإفطار ؟
اتفق جمهور الفقهاء على أنه من أفطر عمدا في نهار رمضان أيا كان سبب الإفطار بدون عذر شرعي . آثم وارتكب كبيرة وعليه بالتوبة النصوح والكفارة ، كما اختلف جمهور الفقهاء فمنهم من قال عليه القضاء دون كفارة لانه آثم ولن تقبل كفارته إلى أن يتوب الله عنه . ومنهم من قال وهو الرأي الراجح أن عليه القضاء والكفارة وهي عتق رقبة أو صوم شهرين متتاليين دون انقطاع أو إطعام ستين مسكينا ، على أن تكون تخييرا وأفضلها عند علماء المالكية إطعام ستين مسكين .وبهذا نجد أن الشريعة الإسلامية لم تحدد أي عقوبة تعزيرية أو بدنية للمفطر عمدا .وهذا ما قد يثير استغراب البعض من أن نصوص الكتاب والسنة ليست بهما أي إشارة لعقاب المجاهر بالإفطار .
موقف التشريعات العربية
تعتبر السلطات والنخب الدينية المحافظة والملتزمة بتعاليم ديننا الحنيف في الدول العربية أن الإفطار العلني في رمضان يشكل انتهاك لمشاعر المسلمين الصائمين في حين هذا الرأي يجد من يخالفه في بعض الدول كتونس والمغرب وتعده مخالفا للدستور، كما أُطلقت دعوات رافضة لفرض الصيام ومطالبة بالحق في الإفطار العلني باعتباره حقاً من حقوق الانسان!
ففي مصر وكذلك اليمن لا يوجد نص صريح يجرم المجاهرة ولكن يعد فعل فاضح ، تصل عقوبتها إلى الحبس .
و في تونس والبحرين و سوريا ورغم أنه لا توجد قوانين تجرّم الإفطار العلني في شهر رمضان، إلا أنه يمكن للسلطات أن تبادر باتخاذ إجراءات قانونية ضد المفطر علناً بتهمة “الإخلال بالآداب العامة” . أما في فلسطين ليس هناك أي نص قانوني يجرم الإفطار العلني في شهر رمضان. لكن في كل رمضان. في الضفة الغربية التابعة لحركة فتح تصدر السلطات لوائح تمنع فيها الإفطار العلني في رمضان وتقوم بتغريم المفطر علنا أو تعمل على توقيفه لفترة قصيرة، وكذلك في الجزائر. وفي لبنان كذلك لا يوجد نص قانوني يجرّم الإفطار العلني في رمضان، ولكن غالبية الطوائف المسلمة تغلق المطاعم احتراما للشهر الفضيل .
أما في قطر فقد نص القانون على تجريمه في المادة (267) عقوبة الحبس لا تجاوز ثلاثة أشهر وغرامة لا تزيد عن ثلاثة ألاف . ويطبق على كل من جاهر سواء مسلم أو غير مسلم وفي السعودية تصل العقوبة إلى السجن والجلد إلى جانب الإبعاد بحق الأجنبي ، وفي العراق تصل العقوبة إلى خمسة أيام باستثناء من لديه عذر شرعي.
أما في المغرب يعاقب على المجاهرة بالإفطار في رمضان في المادة (222)من القانون الجنائي بقوله (كل من عرف باعتناقه الدين الإسلامي، وتجاهر بالإفطار في نهار رمضان، في مكان عمومي، دون عذر شرعي، يعاقب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر وغرامة مائتي درهم. وبهذا نجد أنه حصر العقوبة على المسلمين دون غيرهم .وفي الأردن نص على تجريمه بشكل صريح في المادة (274) وحدد عقوبة الحبس شهر وغرامة .
وفي الإمارات فإن عقوبة المجاهرة تصل إلى الحبس مدة لا تزيد على شهر أو بالغرامة التي لا تجاوز ألفي درهم ، بحسب المادة (313) ، و أضاف ذات العقوبة لكل من ساعد أو حرض على ذلك. وفي باكستان بعد التعديل سنة (2017) أصبحت عقوبة من يجاهر بتناول الطعام أو التدخين الحبس تصل إلى ثلاثة أشهر بالإضافة إلى غرامة تصل إلى (500)
أما القانون الليبي لم يحدد أي عقوبة للمفطر عمدا بشكل واضح وصريح أسوة ببقية التشريعات ، فلا يعد هذا الفعل ظاهرة في مجتمعنا ونحمد الله على ذلك ، ولكن هذا لا يمنع من ضرورة إدراج نص يجرم الفعل .
فالمادة (291) المعدلة بالقانون رقم (20) لسنة 2016 والتي تنص “يعاقب بالسجن كل من صدر منه ما يعد إساءة للدين الإسلامي ما لم يبلغ حد الردة , الإفطار عمدا يسيء للدين الإسلامي ولكن لا يمكن تطبيق هذا النص كعقوبة للسلوك.
ولا يمكن تكييفها جريمة فعل فاضح م(421) فهذه الجريمة لها أحكام خاصة يتطلبها القانون كما أن لها مفهومها لغويا وقانونيا .
لذلك نهيب بالمشرع الليبي أن يفرد نص صريح يحدد فيه عقوبة للمجاهرة بالإفطار عمدا في رمضان، ومن حرض أو ساعد على ذلك وتحديد إذا كانت العقوبة تشمل المسلمين فقط أم تشمل غير المسلمين ، لما لهذا السلوك من تأثير سيء خاصة لذوي النفوس الضعيفة . كما أن هذا الشهر له قدسيته، فمن واجب الدولة باعتبار الإسلام دينها الرسمي ، أن تحمي الشعور الديني لعامة المجتمع.