منصة الصباح

عقلية القطيع

عقلية القطيع

د ابوالقاسم عمر صميده

كثيرا ما نشاهد انسياق الناس بلا تفكير وراء فكرة خاطئة او معلومة منقولة بدون مصدر او شائعة مظلله صنعها احدهم لخدمة غرض معين فتبعته البقية بدون وعى او تفكير ، وهنا نستحضر قصة مهمة للكاتب الفرنسى “فرانسوا رابلي” وتدور حول رجل يدعى “بانورج” كان في رحلة بحريّة على متن سفينة. وكان على نفس السفينة تاجر أغنام يدعى “دندونو” ومعه قطيع من الخرفان المنقولة بغرض بيعها.

كان “دندونو” تاجرا جشعا لا يعرف معنى الرحمة، ووصفه البعض بأنه يمثل أسوأ ما في ذلك العصر وهو غياب الإنسانية.

وحدث أن وقع شجار على سطح المركب بين “بانورج” والتاجر “دندونو” صمم على أثره “بانورج” أن ينتقم من التاجر الجشع، فقرّر شراء خروف من التاجر بسعر عال وسط سعادة دوندونو بالصفقة الرابحة.

وفي مشهد غريب يمسك “بانورج” بالخروف من قرنيه ويجره بقوة إلى طرف السفينه ثم يلقي به إلى البحر، فما كان من أحد الخرفان إلاّ أنْ تبع خطى الخروف الغريق ويقفز خلفه ليلقى مصيره، ليلحقه الثاني فالثالث فالرابع وسط ذهول التاجر وصدمته، ثم اصطفت الخرفان الباقية في “طابور مهيب” لتمارس دورها في القفز.

هنا جن جنون تاجر الاغنام “دندونو” وهو يحاول منع القطيع من القفز الى البحر ، لكنّ محاولاته كلها باءت بالفشل ،فقد كان”إيمان” القطيع بما يفعله على قدر من الرسوخ أكبر من أن يُقاوم. وبدافع قوي من الشجع اندفع “دندونو” للإمساك بآخر الخرفان الاحياء آملا في إنقاذه من مصيره المحتوم، إلّا أن الخروف”الواثق مما يفعل كان مصراً على الانسياق وراء البقية فكان أنْ سقط كلاهما في الماء ليموتا معا غرقا.

ومن هذه القصة صار تعبير”خرفان بانورج” مصطلحا شائعا في اللغة الفرنسية ويعني انسياق الجماعة بلا وعي أو إرادة وراء آراء أو أفعال الآخرين.

ليس أخطر على مجتمع ما من تنامي روح القطيع لديه.

كثيرا ما تصادفنا في حياتنا الآن قطعان كاملة من البشر “كخرفان بانورج” تردد كلاما أو تفعل أفعالا لمجرد أنها سمعت أو رأت من يقوم بذلك ، لقد اعطى الله سبحانه وتعالى اعظم عطاياه للانسان وهو العقل وبه يفكر ويعرف ويفهم حتى لا يكون مجرد رقم فى مجموعه ،وبهذا العقل والمنحة الربانية نبحث عن الحقيقة ونمارس حياتنا دون ان نتأثر بما يفعله الآخرين ونتجنب الخطأ ونكون لبنة بناء وتميز فى مجتمعنا متسلحين بالفهم والفكر بعيدا عن مايقوله الآخرين ويروجون له . ..

شاهد أيضاً

يعطي بنته ويزيد عصيدة

جمعة بوكليب زايد ناقص لم يكن في حسباني، يوماً ما، أنني سأتحوّل إلى كاتب مقالة …