استطلاع/ عفاف التاورغي
مذ كرست نفسها سلطة رابعة، بُنيت الصحافة وربائبها من وسائل الإعلام على الحس البشري والخبرة التحريرية والقدرة على قراءة السياق واستخلاص المعاني الدقيقة من الحدث.
لكن اليوم، وتساوقًا مع سطوة تقنية تتجلى في الذكاء الاصطناعي، تتجه مؤسسات إعلامية عالمية لاعتماد أدوات ذكية تؤدي مهام جمع وتحليل المعلومات والتحرير الأولي، في خطوة تسهم في تسريع الإنتاج وتوسيع نطاق التغطية وتوفير الجهد والوقت.
هذا التحوّل يثير جدلًا واسعًا: بين من يراه ضرورة لمواكبة العصر، ومن يخشى أن يُفضي إلى تراجع العمق التحريري والمصداقية وفقدان البعد الإنساني للمهنة.
وفي هذا السياق، تطرح صحيفة «الصباح» سؤالًا محوريًا: «هل تتجه غرف الأخبار في عام 2026 نحو صحافة بلا صحفيين؟».
الأنسنة حاضرة بقوة

تؤكد الصحفية «هند الهوني» أن الذكاء الاصطناعي — رغم قدرته على تسهيل الوصول إلى المعلومات — لا يمكنه أن يُغني عن الحسّ المهني الذي يميّز العمل البشري، وترى أن عمليات التحرير، وصياغة الجمل الرابطة، وبناء الهيكل اللغوي للمحتوى، تحتاج إلى مهارة إنسانية لا تستطيع الخوارزميات محاكاتها بنفس الحرفية.
وتشير إلى أن الإفراط في الاعتماد على الذكاء الاصطناعي يكشف ضعفًا في الكفاءة المهنية، وتنبه إلى أن إنتاج الذكاء الاصطناعي أحيانًا يبدو «مصطنعًا ومليئًا بالزخارف اللغوية»، يشبه المواد «البلاستيكية» التي تفقد طبيعتها الحقيقية.
إعادة تعريف

«بشير شلابي» يرى أن مستقبل غرف الأخبار لا يتجه نحو استبدال الصحفي، بل نحو إعادة تعريف دوره وتوسيع آفاقه، ويشدد على أن الذكاء الاصطناعي لا يستطيع أن يحلّ محل العقل النقدي، ولا الحس الإنساني، ولا المسؤولية الأخلاقية التي تشكل جوهر الصحافة.
ويحذر من خطر تراجع الصحفي نفسه إذا لم يواكب التطورات ويطوّر مهاراته ويؤهل عقله للتعامل مع الإعلام الرقمي وتحليل البيانات الضخمة بفهم عميق.
ورشة ذكية

الباحث «سالم سلطان» يجزم أن الصحافة في عام 2026 ستكون أكثر قوة وكفاءة بفضل الذكاء الاصطناعي، لكن ليس على حساب العنصر البشري، ويصف غرف الأخبار القادمة بأنها «ورش ذكية» يعمل فيها الذكاء الاصطناعي كمساعد خارق، بينما تبقى القيمة التميّزية من صنع الإنسان.
عجز الآلة

الصحفي الجزائري «د. العربي الواش» يؤكد أن الذكاء الاصطناعي عاجز عن امتلاك الحدس الإنساني، والوعي الأخلاقي، والحس النقدي، ويشير إلى أن الصحافة الحقيقية هي روح استقصاء ومساءلة، وقدرة على مواجهة الحقيقة مهما كانت صادمة.
مقاربة مخالفة

أما الصحفي «إبراهيم الحداد» فيرى أن دور الإنسان في التفكير والإدارة وصناعة القرار يتجه للانكماش نتيجة تطور الآلة، وقد يتراجع الدور البشري بشكل كبير، مع جانب إيجابي يتمثل في إمكانية ضبط أخلاقيات المهنة بشكل أفضل.
لا تغيير على المستوى القريب

الحقيقة واحدة، كما يؤكد الإعلاميون: مستقبل المهنة لن يكون «صحافة بلا صحفيين»، بل صحافة يقودها صحفيون أكثر مهارة، يعملون جنبًا إلى جنب مع أدوات ذكية تعزز جودة العمل، بينما يبقى الصحفي الضامن الحقيقي لجودة المهنة ومسؤولية الكلمة.
منصة الصباح الصباح، منصة إخبارية رقمية