إطلالة
جمال الزائدي
إذا كان من الممكن ببساطة ان نتجاوز هلوسات ” البارانويا” الجماعية التي تفسر فشل الليبيين خلال أكثر من عقد في تحقيق حد أدنى من التعايش والاستقرار وإعادة بناء الدولة على أنه مؤامرة كونية يشترك فيها كافة سكان كوكب الأرض من إنس وجان وملائكة ..فإننا على اية حال لا نستطيع تجاهل دور الآخرين في إطالة عمر الخلاف والاختلاف بين الأطراف الليبية لأسباب متعلقة بالمصالح الإقتصادية والنفوذ السياسي .. ليبيا منذ مدة ليست أكثر من ساحة صراع اقليمي ودولي ومن ينكر ذلك قد لا يكون مصابا بالبارانويا إياها ، لكنه بالتأكيد مصاب بعمى البصر والبصيرة ..
النسيج الليبي بسيط وغير معقد بفضل الدين الواحد واللغة الواحدة والهوية الثقافية المشتركة أما لو أسقطنا التنوع الإثني الذي تعتبره المجتمعات الحديثة المتحضرة عنصر غنى وإثراء سنرى البنية الاجتماعية الليبية تقريبا متناغمة وهي تراوح بين علاقات المدينة وعلاقات الريف والقرية ضمن قاعدة ذهنية اقرب للبداوة منها إلى أي شيء آخر .. وخلال سنوات الصراع الفارطة رأينا بأم العين كيف كانت التحالفات و الاصطفافات والخرائط السياسية تتبدل وتتغير بحيث أنه لم يكن من المستغرب أن ينقلب الأصدقاء إلى أعداء والعكس كذلك حسب المصالح الشخصية للأفراد والمجموعات من الفاعلين السياسيين بما في ذلك المسلحين بغض النظر عن العناوين الحزبية والايديولوجية التي يرفعها القوم على سبيل التقليد لما يجري في بلاد أخرى ..أو هذا على الأقل ما يعتقده رئيس البعثة الأممية السابق غسان سلامة وخليفته ستيفاني ويليامز عندما يؤكدان في أكثر من مناسبة بأنه لا يوجد سياسيين في ليبيا بل ديناصورات منقرضة تحاول مقاومة الحقيقة التاريخية التي تقول إن العصر “الجوراسي ” على ظهر كوكبنا قد انقضى منذ ملايين السنين .. ومع ذلك المشكلة هنا لم تكن يوما مشكلة كائنات محلية منقرضة لأن إرضاءها في النهاية لن يكون عسيرا في بلاد شاسعة تعوم فوق بحيرة من الثروات الأحفورية وتتميز بوضع ديموغرافي مؤاتي ..المشكلة ستبقى دائما مشكلة الآخرين إخوة وجيران واغراب لايريدون اضاعة الفرصة السانحة للنهش في لحم ” البقرة المذبوحة ” .. والليبيون الذين ينتظرون أن يأتيهم الحل والغوث من الشرق أوالغرب إنما هم كمن ينتظر العسل من احشاء ” البوزنان” ..