عبد الرزاق الداهش
ذات خميس من عام 2009 تقريبا، كانت ازمة بنزين مفاجئة.
وكان الصادم أكثر هو سبب الأزمة، لا الطوابير الطويلة أمام محطات التزود.
وكانت المرة الأولى التي نكتشف فيها بأن ليبيا أحد أفراد عائلة الاوبك تستورد البنزين.
وكنت قد كتبت حينها عمودا تضمن طابورا من الأسئلة الحائرة، موازيا لطوابير البنزين المحيرة.
فكيف لليبيا البترولية تستورد مادة البنزين من إيطاليا التي لا تنتج حتى سرنجة نفط؟
وكيف لبلد مثل ليبيا لا تكون لها حتى عشر مصافي لتكرير النفط، وتدخل صناعة التكرير، وبقوة؟
التغطيات المالية متوفرة، والموارد البشرية متوفرة، والطلب على الوقود مرتفع، فلماذا فماذا ينقص؟
في اليوم التالي كان قد اتصل بي شكري غانم (رحمه الله)، ليقول بأن صناعة التكرير ليست مجدية اقتصاديا في ليبيا.
كان غانم يدير المؤسسة الوطنية للنفط، وكان يرى بأن توريد مادة البنزين من الخارج أقل كلفة على المدى القصير وحتى البعيد من إنتاجها بالداخل.
الطلب الليبي على المحروقات يقتصر على منتج البنزين فقط على رأي الدكتور.
وهذا يعني بأن المشتقات الأخرى ستكون خسرة، فلا أسواق لها، أو لا قدرة لنا على تسويقها.
اليوم نعيش نوبات البنزين التي تشبه نوبات الصرع فلا تمر فترة إلا وتظهر الطوابير الحلزونية، مع ثقافة الهلع.
واليوم قد نستدعي الجملة نفسها: (دولة بترول وتعاني ازمة بنزين)!
بعد عشرة أعوام قد تبيع لنا أوروبا مصافيها حتى بربع سعرها، ولكن علينا ان نفكر بعيدا عن طابور البنزين.
النقد العمومي هو الاستثمار الحقيقي، اقل كلفة، أقل تلوث، ويربينا حتى ادارة الوقت، واحترام المواعيد لشعب يستهلك الساعات ويضيع الوقت.