بورصة العالم الشعرية إلى أين ؟
في كل بقعة من اﻷرض يصارع الشعر والنثر معا كي لا يتحولا إلى فتات ذكريات ، تهيمن الروايات ذات اﻷغلفة اللامعة على رفوف المكتبات ، بينما تقف دواوين الشعراء على نفس اﻷرفف كاﻷيتام ، تقتات من شغف القلة .
وفي اﻷزقة الخلفية يولد الشعر كصرخة في وجه العنف ، الشعراء وحدهم يكتبون لينقذوا ذاكرة العالم من التآكل، أماكلماتهم فهي روح اللغة التي تقاوم لتنقذ الزمن من فقدانه ، وكأن القصيدة باتت درعا لا يرى ! .
في القارة العجوز حيث ولدت قصيدة النثر ، يبدوا أن أبناءها هجروا بيت القصيدة ، و” فرانسا ” التي علمتنا كيف يصاغ التمرد، تغرق اليوم في صراع بين القديم والجديد .
شبابها يخطون الشعر على الجدران لا على الصفحات. هل صار الحبر أقل حرية ؟ . وعبر برغماتية ” السويد ” وفق حسابات المنطق هناك يخشى الشعر ﻷنه لا يقاس ..
في كل مرة يرتفع صوت الشعر في “روسيا” تتعرى السلطة ، كما لو أن تراث “بوشكين “، لم يكن سوى تمرين مبكر على العصيان .
ويعيش البلد الذي انجب الرومي و الخيام تناقضا يكاد أن يكون شعريا في حد ذاته ، فالرقابة في ” إيران ” لا تمنع القصيدة بل تسربها إلى الظل ، لتغدو أكثر وضوحا في كلمات “فروغ فرخزاد” من وراء الزمن (انا لست شاعرة حب ..أنا شهادة ضد الغياب).
اﻵف الشعراء يكتبون ﻷنفسهم في ” الصين “، لاينتظرون طباعة ولا نشرا ، ولا ولوعا بالظهور ﻷنهم يدركون أن القصيدة الحقيقة تولد بالذات حيث توجد الرقابة ! ..
يبتكر النثر في ” الهند ” نفسه بنفسه من اللغات ، ويخترع كاﻵلهة . . في كل القارة السمراء تنحت القصائد في صخر النسيان . أفريقيا اﻷيقونة في ذاكرة القصيدة .
يعيد فيها ” وولي سونيكا ” للشاعر اعتباره كنبي للقبيلة ، ويترجم اﻷسطورة ليحافظ عليها .
الغريب في “جنوب أفريقيا ” أن النثر لم يعد شكلا أدبيا ، أصبح وثيقة شفاء تكتب لتعتق الذاكرة من جحيمها ..
ما أقسى أمة يكون فيها ” المتنبي” ، وتخجل من أبنائها الشعراء في حين تقصى القصيدة من مناهجها، وتجبر على التمويل الذاتي كي تعيش ، لكنها تظل عنيدة كالعادة و مشاكسة في زوايا مدن عواصمها من بيروت إلى دمشق فالرباط وبغداد، تنحت بالكلمات جراحنا ، بينما تضيء في أماكن أخرى جديدة ، يحج إليها الجيل الرقمي ، بحثا عن جملة تبرر اضطرابه الوجودي .
ورغم هذا التحول العميق ، وبعد أن نزل الشعر عن عرشه ليمشي بين الناس . ,, وقد اتخذ وجهة مغايرة لوظيفته القديمة هذه المرة من “التمجيد” وكسب الجائزة إلى التعرية الجارحة .
النثر أيضا اتخذ منحى آخر . لم يعد كذلك يكتب في اﻷبراج العاجية بل في أزقة الشوارع الخلفية حيث تختلط اللغات واﻷصوات والحقائق المفجعة . .
فالشعراء كما يقول “أدونيس” لا يموتون .. بل يغيرون عناوينهم .