خلود الفلاح
عبد الحفيظ العابد، روائي وشاعر ليبي، يؤمن أن الطفولة هي البوابة السرية للمخيلة، بدأ شاعرا، وتحول إلى الرواية، فصدر له: “ماءان”، و”إسليمة”، لكن لم يتخل عن كتابة الشعر.
معتبرًا أن دعم الناشر للرواية كان سببًا في تراجع الشعر.
في أعماله الروائية، يشغله الإنسان بكل تناقضاته وخساراته، لكنه لا يتوقع من الأدب أن يُحدث تغييرًا كبيرًا في مجتمع يعاني أزمة قراءة، حتى أن سؤال “ما جدوى الكتابة؟” يفرض نفسه أحيانًا.
وصلت روايته ” إسليمة” إلى القائمة القصيرة لجائزة كتارا لعام 2024.
ـ متى وكيف بدأ شغفك بالكتابة، وهل كان هناك حدث فارق دفعك إلى ولوج عوالم الكتابة؟
ـ بدأتُ الكتابة في أواخر المرحلة الجامعية، كتبتُ نظماً كنتُ أعدّه شعراً لالتزامه بالوزن والقافية، ثم تتالت الكتابات الشعرية ومرّت بمراحل من التجريب والتخلّي والمحو، فكلّ تجربة جديدة يصحبها احتفاء آني، ثم تنبثق رغبة في محو المكتوب وتجاوزه إلى ما لم يكتب بعد، فالنص المحتفى به يقف هناك على تخوم الكتابة ينتظر موسمه لينهمر.
ليس هناك حدث فارق يمكن أن أرد له دخولي عالم الكتابة، وإن وجد فربما يستقر في الخافية اللاوعي.
ـ بدأت بولوج عوالم الكتابة شاعرا ثم انتقلت إلى الرواية، كيف أثر ما قلته في الشعر على تجربتك الروائية. وهل تنوى التوقف عن الشعر؟
ـ ربمّا يتبدّى هذا التأثير في اللغة، أعني اللغة الشعرية، فالرواية تتسع للشعر ولغيره، وتنهض على تعدّد المستوى اللغوي، وربّما أيضاً يتجلّى هذا التأثير في إيقاع رواياتي، إيقاعها الدلالي والمعنوي، أظنها ذات إيقاع شعري ينبني في الغالب على تسريع الزمن.
مازلت أكتب الشعر، ولدي مجموعة مخطوطة، المشكلة ليست في الشعر بل في ناشريه، ثمة فتور يصيب الشاعر سببه جفوة الناشرين والقرّاء للنتاج الشعري، فتور يقمع القصيدة المكتوبة واللامكتوبة ويقصيها لتظلّ سجينة الورق أو المخيّلة.
ـ في روايتك اسليمة، وفي ماءان… تتحدث عن الإنسان. إلى أي مدى يهمك الإنسان في أعمالك؟
ـ الإنسان الثيمة الأعظم التي لا تُستنفد، وهو مدار سؤال المعرفة، وعلى الرواية أن تُمتع وتقدّم معرفة في الوقت ذاته، وبما أن الرواية نمذجة للواقع فإن الإنسان نموذج لا منتهي، متجدّد وثري، الإنسان في بعده الآدمي بكلّ متناقضاته وصراعاته هو ثيمة الكون وليس الرواية فقط.
ـ هل ترى في الكتابة رسالة ذاتية؟ أم يجب أن تلعب دوراً تنويريّاً؟
ـ الرواية الجيّدة تقدّم معرفة، لكنها لا تتخذ شكل خطاب مباشر، وإنما تتقنّع بالأسئلة التي تخلخل السائد والمألوف، وتقدّم رؤية في الإنسان والحياة والوجود دون أن تتخلّى عن دورها الجمالي، ومن ثم يمكن عدّها رسالة ذاتية وتنويرية وقبل ذلك جمالية في الوقت نفسه.
ـ كيف رأيت ليبيا في طفولتك، وكيف أصبحت بعد ذلك؟
ـ ليبيا في طفولتي كانت ليبيّة الهويّة، أعني الهوية الثقافية التي تتمثّل فيما هو لهجي وعاداتي وطقوسي، ثم انحسرت هذه الهوية الثقافية تدريجيّاً، ولهذا فالرواية بالإضافة إلى كلّ ما قيل عن أبعادها الجمالية والمعرفية هي وثيقة سوسيولوجية وأنثربولوجية تحفظ اللهجة والعادات والطقوس وحتى السلوك الاجتماعي التي شهدت تغييراً بسبب وسائل التواصل الاجتماعي وتغيّر نمط الحياة.
ـ في أعمالك الروائية ترسم تفاصيل للمكان والأشخاص. كيف تؤثث أماكن أعمالك؟
ـ من الذاكرة، فالإنسان ذاكرة، وبحسب (باشلار) فإن بيت الطفولة هو العنصر الأهم في بناء المخيّلة، وربما لهذا السبب يتمثّل فضاء القرية والجبل بوصفه فضاء رئيساً في (ماءان) و(اسليمة).
ـ رواياتك محملة بنقد اجتماعي. هل الأدب اليوم قادر على إحداث تغيير في المجتمع؟
ـ لا أدري، أحيانا تهيمن عليّ فكرة لا جدوى الكتابة، فكيف ستحدث الرواية تغييراً ونحن نعيش أزمة قراءة كمّاً ونوعاً، لا قرّاء وإن وجد قارئ فهو في الغالب قارئ سلبي غير منتج، ينطبق هذا حتى على جلّ الدراسات الأكاديمية للرواية محلّياً، فهي دراسات إجرائية لا تقدّم معرفة، تحشد مقولات نظرية لكنها عاجزة عن الولوج إلى النص، وأمام هذا العجز القرائي الكمّي والنوعي لا ننتظر تغييراً، ربما على مدى بعيد جداً.
ـ مكتبتك.. كم تحتوي من كتاب؟ وفي أي المجالات الإبداعية تحب القراءة؟
لم أحصيها، لكن يمكن القول إنّني أتيتُ إلى كتابة الرواية من مرجعيات غير روائية، وإنما من مرجعيّات قرائية متنوعة.