الصباح-وكالات
نشرت صحيفة « العربي الجديد « تقريرا مطولا عن حراك الشعب الجزائري ومطالبه في احداث تغييرات سياسية جذرية وتحقيق كامل مطالبه المشروعة.
واستهل الكاتب تقريره باستعراض ارهاصات حراك الشارع الجزائري ، مبينا أن الوضع لم يكن هادئاً في الجزائر بين نهاية عام 2018 ومطلع عام 2019، وكان واضحاً أن مشروع الولاية الرئاسية الخامسة للرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة سيكون من الصعب تمريره. فقبل ذلك كانت بعض الحركات الاحتجاجية المعزولة قد بدأت تكسر جدار الخوف، وتتسع شيئاً فشيئاً قبل أن تتحول إلى حالة احتجاج وطني عارم بدءاً من 22 فبراير تطيح ببوتفليقة وفريقه الرئاسي، من دون أن تحقق كامل مطالب الحراك جراء التباعد المستمر حتى اليوم بين المحتجين والسلطة، التي فشلت في إنهاء القطيعة مع الشارع.
وبعد سنة من الحراك الشعبي، بدا أن السلطة تعاملت مع هذا الحراك في مستويين، أولاً كحالة مطلبية مشروعة تمت الاستجابة لجزء من مطالبها وإحداث تغييرات سياسية، لكن هذه التغييرات لم ترق لمطالب الحراك المركزية، وثانياً كحالة أمنية تستدعي الإبقاء على مجمل عوامل الحذر ومحاولة تجفيف المنابع السياسية والمناطقية للحراك ، لكن السلطة ظلت حريصة على صناعة ذاتية لحل الأزمة السياسية عبر القنوات الدستورية، ما أبقى الحراك ومكوناته حتى الآن خارج دائرة صناعة الحل السياسي.
لم تسعف مواقف قيادة الجيش المرتبكة بوتفليقة في التحكم في الوضع، أو في الإبقاء على مشروع ولايته الخامسة، فتصريحات قائد الجيش الراحل الفريق أحمد قايد صالح، بعد أربعة أيام من اندلاع التظاهرات، في خطابه الشهير في بشار جنوبي الجزائر الذي وصف فيه تظاهرات الحراك بـ»النداءات المجهولة»، والمتظاهرين بـ»المغرر بهم»، زادت من حالة الصدام السياسي بين السلطة والحراك.
وجدد قائد الجيش محاولة إرهاب الشارع بالمخاطر الأمنية ودعا الجزائريين في خطابه الثاني في شرشال قرب العاصمة الجزائرية، بالذهاب إلى صناديق الاقتراع في الانتخابات الرئاسية التي كانت مقررة في 18 إبريل الماضي، لكن مسيرات مطلع شهر مارس الماضي المهولة، مع خروج ملايين المتظاهرين في شوارع البلاد (تحدثت تقديرات أمنية سرّبت لكنها لم تنشر في مارس الماضي عن وجود 28 مليون متظاهر)، دفعت بوتفليقة إلى الإقرار بواقع الرفض الشعبي وإعلانه في 11 مارس إلغاء الانتخابات الرئاسية وحل حكومة أحمد أويحيى.
واوضح التقرير أنه مع هذا التطور، بدأت السلطة تبحث عن تكتيك سياسي لحلّ الأزمة ووضع البلاد على مسار يجنّبها الفوضى. وسعت السلطة إلى الاستنجاد في شهر مارس الماضي بالمبعوث الأممي والدبلوماسي الجزائري الأخضر الإبراهيمي، لعرض مقترح إقامة ندوة وطنية للحوار، تشارك فيها كل القوى، لكن الحراك الشعبي أبدى اعتراضاً شديداً، ما دفع الإبراهيمي إلى المغادرة، قبل إعلان بوتفليقة استقالته، لتبدأ البلاد مرحلة باتت فيها معالجة الأزمة بين يدي الجيش.
وفيما كانت مؤشرات كثيرة تظهر قبل عام أن السلطة لم تكن تملك الوقت والإمكانات السياسية لتمرير مشروع الولاية الرئاسية الخامسة، لم تضع الأجهزة إلى جانب الفريق المحيط بالرئيس في حساباتها احتمال حدوث ثورة شعبية كتلك التي اندلعت في 22 فبراير 2019. وأشارت التقديرات الرسمية والتقارير الأمنية حينها إلى أن ترشح بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة قد يثير احتجاجات ظرفية يمكن التحكم فيها، على غرار ما حدث عند ترشحه لولاية رابعة عام 2014 على الرغم من مرضه.. وحسب التقرير فقد أظهرت سجلات الاعترافات التي أدلى بها أعضاء من الفريق الرئاسي والكارتل المالي خلال عمليات الاستجواب في المحكمة العسكرية والمحكمة الجنائية، أن السلطة راهنت على توفير أكبر قدر من الأموال لضخّها في الحملة الانتخابية وتوزيع ريع مالي على أوسع نطاق وعلى كافة الأحزاب والمنظمات والجمعيات والفاعلين المحليين والمرجعيات الدينية التقليدية (الزوايا) للسيطرة على الشارع، لكن ذلك لم يكن كافياً مع هيجان غير مسبوق للشارع.. ووصف الباحث في الشؤون السياسية لحسن حرمة، في حديث مع «العربي الجديد»، تطور مواقف السلطة من الحراك بأنه نابع من طابع شمولي «فجميع المنظومات الشمولية تنظر لحلحلة القضايا السياسية نظرة أمنية، وتصرّف السلطة السياسية طبيعي مثل منطق كل الأنظمة الشمولية في العالم الثالث، أي تأمين الحلول الترقيعية المؤقتة أو التأجيل أو التعنيف، لغياب رؤية حقيقية أصلاً». ووفقاً لحرمة فإنه «في مقارنة بين الحراك والسلطة، نحن أمام حراك تختلف مطالبه زمنياً ويواجه سلطة تبدو منسجمة رغم هشاشتها، خصوصاً أنها لم تنجح في القضاء على الحراك رغم أنه تمّت الاستجابة لبعض المطالب على مستوى الخطاب الترويجي الإعلامي».
الوسومحراك الجزائر
شاهد أيضاً
كتاب “فتيان الزنك” حول الحرب والفقد والألم النفسي
خلود الفلاح لا تبث الحرب إلا الخوف والدمار والموت والمزيد من الضحايا.. تجربة الألم التي …