إطلالة
بقلم /جمال الزائدى
لم يغادرنا العام 2019 ، إلا بعد أن سقانا كأس الدم والنزوح والخسران حتى الثمالة.. ولعله في صنيعه هذا لم يختلف كثيرا عن أعوام سبقته عرفنا فيها صنوف العذابات والمعاناة لذات السبب :- حرب الإخوة بالنيابة عن الغرباء.. حرب أصحاب الوطن بالوكالة عن أعداء الوطن المتربصين ..
هذا الزمن الليبي الموغل في التيه الوطني ، أخذ مسارا مفارقا لزمن الإنسانية الراهن ، فالآخرون خارج حظيرتنا الجهنمية ينجزون في كل 5 ثوان ، اكتشافا علميا جديدا ، بينما نحن نستقبل قذيفة عشوائية كل 5 ثوان ..الآخرون يفتتحون معملا أو مخبرا أو مصنعا ، ونحن في كل يوم نفتح قبرا أو فجوة بشعة في جدار منزل أو مدرسة أو جامعة.. الآخرون يتجاوزون حدود اللغة والدين والعرق ليصنعوا دولة كبيرة قوية توفر لمواطنيها أسباب الأمان والاستقرار و العيش الكريم والرفاهية ..ونحن نحطم مشترك اللغة الواحدة والدين والعرق الواحد ،لنحطم دولتنا الوطنية ونعود شيعا وقبائل وقطعان ذئاب تنتشي برائحة الدم والجثث ومشهد الرماد والدمار..
الآخرون يسطرون ملاحم في الفكر والمعرفة والفنون والآداب ويتنافسون على مجد تقنية المعلومات ومجد تقنية «النانو» ومجد تقنية الاستنساخ ..ونحن هنا نتذابح من اجل أمجاد زائفة نبنيها على جماجم الأبرياء والآثمين و نسطر ملاحم النزوح الجماعي و القتل العشوائي وقصف المطارات والأسواق وتبادل الاحتقار واللعنات..
نفعل كل ذلك وكل منا يؤمن أن الحق كل الحق إلى جانبه ..وان كل من سواه خونة وعملاء أو على الأقل أغبياء ومغرر بهم ..وواقع الحال أننا كلنا في الوعي ليبيون .. وانه لا فضل لليبي على أخيه الليبي إلا بمقدار ما يحمل في عقله وقلبه من تسامح وركون لنسبية الحق والحقيقة ..
ولأن الله تعالى لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ..فعلينا ألا ننتظر تغير حالنا إلى ما هو أفضل أو حتى إلى ما هو اقل سوءا، قبل أن نتغير في نفوسنا وفي مستوى وعينا وإدراكنا ، وفي علاقتنا بعضنا ببعض ، وفي علاقتنا بمفهوم الوطن الذي يجمعنا ..بيد أن تغييرا من هذا النوع – وعلى المستوى الجمعي – لن يحصل بين عشية وضحاها وهو قد لا يشمل الجيل الحالي الذي تورط في مآسي وفضائع يصعب تجاوز آثارها في أجل قريب..مخرجنا من مأزقنا ربما يتلخص في رهان صعب يحتاج إلى نفس طويل وهو معلق في رقبة الأجيال الجديدة التي لم تضل طريقها بعد إلى الحياة والأمل والغد الأفضل..أن تكرس هذه الأجيال خيار الإقبال على التعليم وتطوير الذات والمهارات واكتساب الخبرات فمعول البناء والتعمير سيكون بيدها بعد انتهاء الصراع وإنقشاع غبار المجزرة ..أن تنفتح أكثر وأكثر على الفكر والثقافة الإنسانية بعيدا عن أوهام «الديماغوجيات» و»الشوفينيات» واللاعقلانية المقيتة ، التي أورثتنا كل هذا التاريخ المثقل بالإخفاقات والاحتراب الأهلي والسحل والدموية ..
ليبيا تستحق أفضل منا حتى وهي تبدو «مثل شمعة في مهب الريح لا تتلاشى مع غروب الشمس» كما غنى « ألتون جون» في وداع اميرة القلوب الراحلة «ديانا».