منصة الصباح

آسر.. ثنائية الحرب في عالَم الحب والانتقام  

الصباح/ حمزة جبودة 

ما بعد الحلقة 60 بدأت قصة انتقام آسر

بعد أن نجح آسر في توريط صديقه القديم “راغب الملاح” وإدخاله السجن المؤبد بتهمة القتل العمد، طرح سؤالاً على نفسه، وهو يتحرك وحيدًا باحثًا عن من يُشاركه لذة هذا الانتقام من العدو الأول. لكنه لم يجد أحدًا، ومع هذا لم يفكر للحظة في تراجعه عن الفكرة من أساسها.

كل هذا بدأ مع قصةٍ أخرى كانت تنتظره، مع “حياة”. لم تكن قصة حب جديدة بعد نهاية راغب زوجها، بل قصة انفصال تام، بقرارٍ مفاجئ منها، بأنها لن تُشاركهُ في أي مشروع أو حياة خاصة بعد سجن راغب، وستتفرغ فقط لابنها جاد.

تسارع وتيرة الأحداث، في النسخة المعربة، أعطت للعمل الدرامي تميزًا عكس بقية الأعمال المعربة التي اعتمدت على الاعتماد التام على أن تكون الأحداث بطيئة وكل حدث يستغرق أحيانا خمسة حلقات متتالية.

لكن هذا التميز لم يكن إلا محاولة لإحداث نوع من التنوع والاختلاف، في إيصال رسالة للجمهور العربي بأن “آسر” مختلف عن كل المسلسلات المعربة.

جغرافيا المكان والزمان

في النسخة المعربة من “آسر” سيقع الجمهور العربي في حيرة من أمره، ولن يشعر بأنه يشاهد مواقع تصوير من بيئته المتعارف عليها، بل كل شيء مازالت ثقافته تركية بامتياز، بدءًا من أكواب الشاي إلى ديكور البيوت وكل مواقع التصوير، من بيت آسر وأسرته، إلى بيت راغب إلى مخبأ “عزت” الصديق الثاني لمجد أو “آسر”.

وهذا خطأ قد يكون هامشيًا للبعض المهتمين بالقصة لا بالأماكن. لكنه في نهاية الأمر خطأ كبير، إن ركّز الجمهور في تسمية أحداث القصة المعربة بين “دمشق” و”بيروت”.

بمعنى لن نجد أي ملامح لدمشق أو بيروت في أغلب الحلقات، بل ملامح تركية واضحة لا علاقة لها بالسردية العربية للعمل.

ثنائية الحب والانتقام

بدءًا من الحلقة الأولى، سيتفاجيء الجمهور من القصة وسرديتها لتفاصيل حياة “مجد” السابقة والتي انقلبت رأسًا على عقب، إلى حياة “آسر” الذي نجا من الموت بأعجوبة وظهور شخصية “الخال رستم” في حياته.

المفاجأة تكمن في شيء رئيسي، وهو أن النسخة الجديدة لمجد “آسر” قرر عدم إبلاغ أسرته بأنه على قيد الحياة واكتفى بإبلاغ أمه فقط. وهذه النقطة هي البداية الحقيقية للتغيير، لآسر الذي أصبح الانتقام بالنسبة له هو أولى اهتماماته، ومن ثم أسرته. عكس شخصية “مجد” الذي كانت العائلة بالنسبة له كل شيء ويبدأ من عندها أي قرار وأي نتيجة.

الخال رستم وفلسفة الانتقام

أي انتقام في عالَم “الخال رستم” له أبجديات وأُسس معرفية مدعومة بالقراءة المكثفة للأدب والفكر. وقبلها بالطبع، تراكم التجارب وتاريخ الخال رستم، الذي يعتبر النقطة المفصلية لحياة آسر الجديدة مع شخصيتها التي تم إعدادها خصيصًا للانتقام من الثلاثي “حياة، راغب، عزت”.

الانتقام في مدرسة الخال، انتقام له خطط ودراسات وبحث وصبر، لا تخضع مدرسة الخال إلى طرق الانتقام المباشر الذي ينهي القصة ببساطة. بل انتقام معنوي ونفسي ومادي وعاطفي. وهذا يُطبّق برؤية تبدأ من النبش في ماضي كل شخصية من الشخصيات الثلاثة. والتي يعرفها آسر معرفة متكاملة لا تحتاج للتدقيق.

الكتب والأدب عند الخال، أساس لأي شخص يبحث عن التميز، أن تنتقم وتعرف أن انتقامك هذا سيكون انتقامًا تاريخيًا لم يسبق لأحد أن عرفه. لذة الانتقام هنا “اللعب مع الوقت والمكان”، أن تكون اللاعب السابق بخطوة أو أكثر عن المستهدفين. انتقام مختلط ومتضارب في المشاعر المختلطة بالحب والكراهية. المتناقضة لحظة تنفيذ أي خطوة من الخطة الرئيسية لكل هذا.

انتقام “آسر” الحقيقي

مع تصاعد كل حلقة وكل حدث جديد لآسر، وعلاقاته مع الثلاثي المستهدف بالانتقام، يتجدد صراعه الداخلي مع النفس، صراع بين حياة “مجد” الطيب والبسيط، وبين حياة “آسر” الرجل الثريّ والساحر وصاحب العلاقات المعقدة في عالَم المال والإجرام.

هذا الصراع سببه الذكريات الجميلة التي مازال يحتفظ بها عقل آسر من “تِركة مجد”، وأهمها حُبّ حياة. صداقة راغب وعزت. ولم يتردد آسر في اختزال كل هذا الصراع، إلى سؤال موجّه للخال رستم: هل يستحق الأمر كل هذا التخطيط؟

آسر لم يعد يفهم أو يستوعب، هل ينتقم لمجد أو ينتقم منه؟! والانتقام هنا بسبب “بساطة” مجد التي جعلته ضحية سهلة لحبيبته “حياة” ولصديقيه “راغب وعزت”. وسبب حزن ومآسي لأسرته.

كل هذه الهواجس والأفكار والذكريات اختلطت في شخصية جديدة بعقل قديم، بمعنى أوضح، التغيير الذي أحدثه الخال من حياة السجين مجد إلى حياة رجل الأعمال آسر، كان تغييرًا ظاهريًا فقط، آسر في الظاهر ومجد في الباطن، مازال يعشق حياة ومتردد في تدمير حياتها، كل فِعل انتقامي له ضريبة يدفعها مجد لا آسر، يدفعها مجد الذي أصبح يتحكم في كل قرارات آسر.

قوّة مجد في موته، وهذه القوة هي التي رأى فيها آسر، سلاحه الأقوى الذي سيضمن له نهايات انتقامية.

انتقام ذاتي يُغذِّي نفسه بطريقة مستمرة عبر تمرير كل الذكريات السوداوية، كل التفاصيل التي سهّلت عملية تقديم “مجد” كضحية للثلاثي الذين كانوا قبل زمن، أعز الأصدقاء.

ثم بعملية نصب مُدبّرة بإتقان، أصبحوا أشرس الأعداء، والضحايا الجُدد أو “الُقربان” في مذبح آسر الذي سيتفنن ويتفوق عليهم في مضاعفة العذاب والقهر الذي كان يعيشه بعد أن دخل السجن بسببهم وبعد أن مات في الأوراق الرسمية.

شاهد أيضاً

"بلومبرغ": أوروبا تسعى لتقليل الاعتماد على الأسلحة الأمريكية

“بلومبرغ”: أوروبا تسعى لتقليل الاعتماد على الأسلحة الأمريكية

كشفت وكالة “بلومبرغ” أن الدول الأوروبية الحليفة للولايات المتحدة تناقش بشكل متزايد تقليل اعتمادها على …