منصة الصباح

عالم منزوع الثقافة ..

إطلالة

جمال الزائدي

يحكى أنه عندما تم اختراع المسدس قال مخترعه : – اليوم يتساوى الشجاع والجبان ..ويحق لنا بعد ظهور الفيس بوك وتقنية النسخ واللصق ان نقتبس منطق الجملة ذاتها ونقول : – الآن يستوي الذين يعلمون والذين لايعلمون ..وتتعادل كلمة من قرأ مئات الكتب .. بكلمة من لم يقرأ كتابا منذ غادر صفوف المدرسة ..بل أحيانا تفوقها وزنا ..فيخجل الكاتب من كونه كاتب والصحفي من كونه صحفي .. والمفكر من كونه مفكر .. مادامت كل هذه الألقاب صارت مشاعا لمن هب ودب ..

ترى إلى أين يأخذنا هذا العالم السادر بلا ضوابط ولا معايير ولاثقافة راسخة  ..؟

ربما تبدو المخاوف التي تطرح في هذا السياق مبالغا فيها من وجهة نظر الكثيرين ..لكن لا أحد يستطيع ان ينكر مع ذلك أن ثمة مبررات موضوعية تعطي لمثل هذه المخاوف بعض الوجاهة ..

الوهم الاخطر الذي تصنعه تقنيات او صفحات التواصل الاجتماعي أن المعرفة والثقافة يمكن أن تتحول إلى ” كبسولات” صغيرة في شكل جمل وعبارات مختصرة يكفي أن يقرأها ويعيد نسخها مريد السوشيال ميديا حتى يصبح مثقفا وصاحب حق في تشكيل وعي جمعي يعتمد على معرفة سطحية  متشظية و ملفقة تشبه إلى حد كبير وحش فرانكشتاين الاسطوري ..أي الجسد بلا روح..

شيء يتطابق  بالضبط مع ما يصفه الفيلسوف الكندي ”  الآن دونو ” في كتابه نظام التفاهة : – ” إنه يعني انسحاب التفكير العميق والتأملي في النظر إلى الأشياء، وبالتالي إفساح المجال أمام تغول النزعة التقنية ذات الطابع التبسيطي والتنميطي الذي تكفله القواعد والأعراف الأكاديمية المرعية. فإلى جانب مثال الخبير، يتخرج في الجامعات سنوياً ما يمكن تسميته بـ”الأمي ثانويا”، وهو شخص متمكن من المعارف التقنية والعملية، لكنه فارغ فكرياً وأيديولوجياً ..   ”

ليخلص في النهاية بأنه  “النظام الاجتماعي الذي تسيطر فيه طبقة الأشخاص التافهين على جميع مناحي الحياة، وبموجبه تتم مكافأة الرداءة والتفاهة عوضاً عن العمل الجاد والملتزم”

الشاهد أن العلم والتكنولوجيا يمكنهما أن يتخذا مسارا مفارقا لما ينفع الناس أي للثقافي والمعرفي حسب الوظيفة التي يحددها النظام الاقتصادي والسياسي ..البارود وتخصيب اليورانيوم أفضل مثال على بشاعة الاستثمار لمكتشفات العلم وتطبيقاته ..

 

شاهد أيضاً

كتاب “فتيان الزنك” حول الحرب والفقد والألم النفسي

خلود الفلاح لا تبث الحرب إلا الخوف والدمار والموت والمزيد من الضحايا.. تجربة الألم التي …