زكريا العنقودي
صديقي عايش برا البلاد وذلك من فترة طويلة ، ولم ينقطع حواري الدائم معه والذي كان في أغلب أشكاله على هيئة مراسلات خاصة على السوشيال ميديا .
لكن حين تلاقينا وبعد غياب طويل إثر أحد زيارته المتقطعة للبلاد والتي كان يختار لها زمن هدنة ، زمن يسكت فيه صوت السلاح .
كنّا نستغل زياراته هذه لاستكمال حواراتنا المفتوحة ، إما بأحد المقاهي أو أثناء الزيارات الاجتماعية أو حين نترافق بجولة بالسيارة وكان محور حديثنا الدائم عن البلاد .
كنا ندهب بعيداً فيها ، نسبر أغوار تاريخها ، ننتشي حين نقرر معا أنها ضاربة جذورها في عمق التاريخ ، نتذكر أبطالها وسير المقاومة وصمودها العجيب في وجه الغزاة ، وكيف أنها وأكثر من مرة تنهض من جديد وكما طار الفينيق ، نتذكر كم مرّ عليها وأهلها من محنٍ و خيبات ، وينتهي حديثنا عن حالها الٱن ، حروب أهلها ضد أهلها ، تلال الضحايا من خيرة شبابها ، والمدن المحطمة وركام البيوت ، المهجرين والنازحين ، تمزق نسيجهم الاجتماعي وتعدد راياتهم الخ الخ الخ
ونمضي أكثر فنتذكر أزماتها اللامتناهية كهرباء سيولة أزمة السكن الإيجارات ، عدم وجود فرص للعمل ، المخدرات المليشيات ، و عبث ساستها و صراعهم المستميت على السلطة ، شعاراتهم الزائفة و وعودهم الوهمية وكثيراً مما شابه هذا الحديث .
قال لي صديقي هذا مرة ، وفي خاتمة احد حوارتنا .
– أنت مشكلتك قاري وفاهم تاريخ ومتعلم ، لكنك لست محايد بحديثك ، فأنا ألاحظ مدى ألمك وما تعانيه كلما خضنا في هذه الحوارات ، فأنت تخاطبني كجريح ويحق لك ذلك ، فأنت عايش وسط البلاد وداخلها وفي قلب المعمعة ، لذا أنت تتكلم كضحية ، لذلك كل ما تحدثنا عنها وما يمر بها من ويلات تكون نظرتك تشاؤمية فأنت لاترى إلا السواد في الأحداث التي تعصف بها.
سألته حينها وهل أنت ترى غير ذلك ؟
_ أجابني من فوره أنا أقر بوجود الكثير من السلبيات فيما يحدث ، لكنني على عكسك تمام فأنا أرى بالمقابل الكثير من الإيجابيات والتي يستحيل عليك أن تلتقطها .
ثم أضاف منظراً
لو جيت عايش برا مثلي وتشوف في البلاد وكل ما يمر بها من فوق ، وبتحديد أكثر وكأنك تراها من خلال مجهر ، ووضعت الأمور في سياقها التاريخي والطبيعي ، ووضعت مقاربات ومقارنات مع أحداث مشابهة مرت عليها دول كثيرة غيرنا ؤ لعلمت ورغم مأساوية الأحداث .. إننا كشعب وبلاد نمر على مرحلة تحول كبير أسمها النمو الاجتماعي ، أو بتحديد أكثر نحن شعب لم ينضج بعد .
(نص طياب يعني )
لذلك ورغم أن الأمر يحدث على مهل لكننا وبعين المراقب البعيد نحن نمر بما يسميه المهتمين بالإنسان والتاريخ ، وعلم الاجتماع ( بالنضج التاريخي ).!!!
بعد حديثنا هذا لم أره بعدها فقد عاد لمهجره بكندا بلده الثاني ، والتي يحمل جنسيتها ، بل أنني ذهبت أبعد ولم أراسله حتى بالماسنجر ووضعته أيضا بقائمة الحظر، فقط اكتفيت قبل كل هذه الإجراءات النهائية والتي لا رجعة فيها بكتابة رسالة أخيرة له دونت له فيها مايلي :
_ ياصديقي هذه الرسالة هي اخر تواصل لي معك ، فأنا لم أنس حديثك الأخير معي ، خاصة تلك الفقرة التي أخبرتني فيها عن النضج التاريخي وأننا شعب لم ينضج بعد .
وقد كتبتها لك فقط لاخبرك من خلالها أنني صغتها وامهرتها بتوقيعي وانا مقيم وأولادي والبلاد وكل من عليها في ( طنجرة ضغط ).