استطلاع / آمنة رحومة
مع كل موسم مطر تتجدد قصة طريق «البيفي» الحيوي في شرق طرابلس، حيث تتحول بضع قطرات إلى سيول تغلق المسار وتربك حركة السير. ظلّ هذا الطريق شاهدًا على معاناة تتكرر كل شتاء بسبب ضعف تصريف المياه وتهالك البنية التحتية، رغم الوعود والمشاريع التي أُعلن عنها لمعالجة المشكلة.
واليوم، بدأت بوادر الحل تظهر مع انطلاق أعمال ميدانية يشرف عليها جهاز تنفيذ مشروعات الإسكان والمرافق، ضمن خطة تستهدف إعادة تأهيل الطريق وتطوير شبكة التصريف بشكل يضمن انسيابية الحركة ويُنهي معاناة طال انتظار حلها.
«الصباح» تسلّط الضوء على واقع هذا الطريق وما أُنجز من وعود، وسط ترقّب من المواطنين الذين يخشون أن تتكرر معاناتهم اليومية خلال فصل الشتاء القادم.
أجرينا لقاءات مع عدد من المواطنين والمختصين للوقوف على تفاصيل المشكلة ومتابعة سير العمل في مشروع طريق «البيفي».
واقع صعب
الناشط المدني «محمد بو حجر» يؤكد أن الوضع يزداد سوءًا خلال مواسم الأمطار نتيجة ضعف تصريف المياه الذي يؤدي إلى تجمع برك كبيرة في بعض أجزاء الطريق، مما يبطئ الحركة ويزيد خطر الانزلاق، كما تتأثر الرؤية بالمطر والضباب أحيانًا، خصوصًا في الصباح الباكر والمساء، مما يصعب على السائقين تقدير المسافات ويعرضهم لمفاجآت غير متوقعة، ويتفاقم الوضع مع سطح الطريق الزلق الناتج عن اختلاط الزيت القديم بالمياه، ما يجعل الوقوف المفاجئ عند الإشارات مصدرًا لحوادث بسيطة مثل التصادم الخلفي.
كما تحدث «بو حجر» عن اضطرار المشاة أحيانًا لعبور مناطق ممتلئة بالمياه أو الطين، وهو ما يزيد من احتمالية الإصابات، وللتقليل من هذه المخاطر يصبح من الضروري تحسين شبكة تصريف المياه وصيانتها بانتظام، ووضع إشارات تحذيرية واضحة قبل المناطق المائية لتنبيه السائقين والمشاة على حد سواء.
ظاهرة سنوية
أما المصوّر «منذر رمضان» فيقر بأن طريق «البيفي» أحد أهم الطرق المحلية التي تواجه مشكلة متكررة خلال فصل الشتاء، حيث تمتلئ بمياه الأمطار إلى درجة تجعل القيادة أو العبور مستحيلة، لتصبح ظاهرة شبه سنوية مألوفة بين الأهالي الذين يفضلون تجنب استخدام الطريق خلال موسم الأمطار، وهي المشكلة القديمة المتفاقمة، “حيث أدت الحوادث المتكررة إلى وضعها ضمن ما يعرفه السكان بالقواعد غير المكتوبة بعدم المرور في الطريق في الشتاء، لأنه يتحول وكأنه بحر يغمر المنطقة بالكامل”.
وأضاف: علمنا مؤخرًا أن العمل جارٍ على صيانة الطريق وإيجاد حل جذري للمشكلة من قبل فريق من المهندسين المختصين التابعين لجهاز تنفيذ مشروعات الإسكان والمرافق، بهدف تطوير البنية التحتية للطريق وجعله أكثر أمانًا خلال مواسم الأمطار، حيث تم التخطيط لإنشاء أنبوب كبير لتصريف مياه الأمطار إلى البحر لتقليل تجمع المياه على الطريق والسيطرة عليها، لتحسين نظام تصريف مياه الأمطار، وإقامة بنية تحتية قادرة على مواجهة السيول الشتوية، وهي خطوة طال انتظارها لسنوات عدة بسبب تأخر تنفيذ مشاريع الصيانة، ومن المتوقع أن تساهم هذه الإجراءات في جعل الطريق سالكًا وآمنًا خلال مواسم الأمطار، بعد أن كانت الفيضانات السنوية تتحول إلى عقبة مستمرة تعيق الحركة وتشكل خطرًا على السلامة العامة.
تحسينات.. ولكن!

«عبدالمهيمن الفرجاني»، ناشط طلابي، يشدد على ضرورة الإسراع في صيانة طريق «البيفي» لما له من موقع استراتيجي يربط مناطق مهمة مثل عين زارة، سوق الجمعة، وطريق الشط، مما يجعله مسارًا رئيسيًا للحركة اليومية.
كما يوفر الطريق سهولة وصول لسكان شرق العاصمة، ويسهل الانتقال إلى الطريق السريع والطريق الدائري الثالث. وقد شهد الطريق بعض التحسينات الجزئية مثل تطوير الإشارات الضوئية وتحسين الأرصفة، الأمر الذي ساهم بشكل محدود في تسهيل حركة المرور.
ومع ذلك يعاني الطريق من عدة مشكلات تؤثر على استخدامه، أبرزها الازدحام المروري الشديد، خصوصًا عند مدخل الطريق السريع نتيجة الحواجز الخرسانية وأعمال الصيانة المتكررة، ويعاني من تجمع مياه الأمطار في فصل الشتاء، ما يؤدي إلى غلق تام للطريق رغم وجود مضخات شفط. بالإضافة إلى ذلك، يتأثر الطريق بالأحداث السياسية والاحتجاجات الشعبية، ما يؤدي أحيانًا إلى شلل مروري كامل في بعض الأوقات.
أَسّ المشكلة
المهندس «عادل بن صالح» ينطلق بداية في توطئة يؤكد فيها أن طريق البيفي في تاجوراء يُعد من النقاط الحساسة التي تتقاطع فيها مشكلات المرور، والبيئة، والأمن، وضعف البنية التحتية، ما يجعله مزدحمًا بشكل يومي، خاصة عند ساعات الذروة، بسبب تصميمه غير الملائم لكثافة الحركة الحالية، إلى جانب غياب الإشارات المرورية المنظمة، ما يجعل المرور فوضويًا ويزيد من احتمالات الحوادث.
ويستشهد أيضًا بمشكلة تجمع مياه الأمطار وطفح مياه الصرف الصحي في كل عام، نتيجة انسداد الشبكات وضعف تصريفها، الأمر الذي يتسبب في تآكل الطبقة الإسفلتية، وانبعاث روائح كريهة، وانتشار الحشرات، كما يُشكّل تهديدًا مباشرًا لصحة السكان القاطنين قرب الطريق.
ويؤثر الازدحام وسوء حالة الطريق على سرعة استجابة الجهات الأمنية والإسعافية، ويزيد من فرص وقوع الحوادث أو المشاجرات، خصوصًا في المناطق التي تفتقر إلى الإنارة الكافية أو التنظيم المروري الواضح.
ويرجع «بن صالح» المشكلة في أساسها إلى غياب الصيانة الدورية والتخطيط المتكامل لشبكتي الطرق والصرف، ولا يكمن الحل فقط في رصف الطريق مجددًا، بل في تنفيذ مشروع متكامل لتصريف مياه الأمطار، وتحسين تصاميم المداخل والمخارج، وضمان إشراف فني مستمر لتفادي التدهور المتكرر.
غياب الرقابة
فيما أكّد الدكتور «فيصل نيقرو»، مستشار إداري بالشركة العامة للمياه والصرف، أن مع كل موسم أمطار تتجدد معاناة المواطنين في طريق البيفي بطرابلس، حيث تتحول كمية بسيطة من الأمطار إلى سيول تغلق الطريق وتشل الحركة.

وأشار إلى أن السبب الحقيقي ليس في الأمطار نفسها، بل في غياب شبكة تصريف فعّالة، وأنابيب متهالكة، وتأخر تنفيذ المشاريع الموعودة منذ سنوات.
وشدّد «نيقرو» على أن الحكومة أعلنت أكثر من مرة عن مشاريع لتصريف مياه الأمطار وإنشاء جسور لتسهيل الحركة، إلا أن التنفيذ ما زال بطيئًا وغير ملموس على الأرض.
وأوضح أن المشكلة ليست فنية فقط، بل تتعلق أيضًا بغياب المتابعة والرقابة والتنسيق بين الجهات المعنية، مؤكدًا أن الحلول ممكنة إذا توفرت الإرادة اللازمة، مثل تنظيف دوري للمصارف قبل كل موسم، واستكمال مشاريع التصريف القائمة.
وأضاف أن طريق البيفي ليس مجرد شارع، بل شريان يربط العاصمة ببعضها، وتعطيله كل شتاء يكشف خللًا في إدارة أبسط الخدمات، ونأمل أن يكون هذا الموسم مختلفًا، وأن يتحول الحديث إلى عمل ملموس يشعر به المواطن.
رد جهاز تنفيذ مشروعات الإسكان والمرافق

على مستوى التنفيذ، أفاد المهندس «وسام درمان»، مدير مكتب الإعلام بجهاز تنفيذ مشروعات الإسكان والمرافق، بأن العمل في مشروع طريق البيفي مستمر وبخطوات دقيقة ومتواصلة لتحسين شبكة تصريف مياه الأمطار، مؤكدًا أن سقوط الأمطار الخفيفة لا يعني توقف العمل أو تقصير الفريق، بل يعكس صعوبة الوضع والحاجة إلى الصبر لاستكمال المشروع بالشكل الكامل.
وأوضح أن المشروعات المنفذة في المواسم السابقة لم تسجل أي بلاغات عن طفح مياه أو تراكم برك، فيما تبقى بعض المواقع بحاجة إلى صيانة دورية تقع ضمن اختصاص شركة الصرف الصحي، وتشمل تنظيف الأنابيب وإزالة الرواسب لضمان استمرارية تصريف المياه.
وقال «درمان» إن الأعمال الميدانية تجري في منطقتي البيفي وتلبيغة ضمن بلدية تاجوراء، حيث تشهد منطقة البيفي عادة تجمعات مياه كثيفة تعرقل حركة المرور وتجعل قيادة السيارات صعبة، مما يضطر المحال للإغلاق عند هطول الأمطار.
وأشار إلى أن المرحلة الحالية تشمل استكمال الممرات المائية المؤقتة، وصيانة البنية التحتية المحيطة، والمراقبة المستمرة لجميع الأعمال، بهدف التأكد من جاهزية الطريق لاستقبال مياه الأمطار القادمة ومنع أي توقف مفاجئ لحركة السير.
وأضاف أن المرحلة التالية من المشروع ستتم تحت إشراف مباشر لضمان وصول الطريق إلى حالة أفضل وأكثر أمانًا، مؤكدًا التزام فريق العمل بالجدول الزمني المحدد لتسليم كامل المشروع وفق المعايير الميدانية والفنية المطلوبة.
وأضاف المهندس «وسام درمان» أن الأعمال على الممر الخرساني في الجهة اليسرى من الطريق قد اكتملت بالكامل، حيث تم إصلاح البنية التحتية وضمان تصريف المياه، ولم تُسجّل أي تجمعات عند هطول الأمطار، وأن فريق العمل التابع للجهاز سيباشر قريبًا معالجة الجهة اليمنى من طريق البيفي لتركيب الأنابيب الجديدة، التي أوشكت على الوصول لدعم الأنابيب الحالية وربط الجهتين بشكل كامل، بما يضمن تدفق المياه مباشرة نحو البحر، موضحًا أن المشروع يشمل أيضًا الأنابيب الموسمية لضمان تصريف مياه الأمطار خلال فصل الخريف الحالي.
كما أكد أنه في حال عدم هطول أمطار غزيرة خلال شهر أكتوبر ومع استمرار الأعمال حسب الخطة، ستكون مرحلة الصيانة مكتملة بالكامل، ولن تواجه منطقة البيفي أي تجمعات أو غدران، مما يتيح سير حركة المرور بشكل آمن وسلس لجميع المواطنين.
وختامًا أشار المهندس «درمان» إلى أن الهدف من كل هذه الإجراءات هو تسهيل حركة السير وتقليل المخاطر على المواطنين، وجعل الطريق سالكًا وآمنًا خلال جميع المواسم الممطرة المقبلة، مؤكدًا أن إنجاز المشروع يحتاج إلى الوقت والصبر، وأن جميع الفرق تعمل بجد لمواصلة العمل على تحسين الوضع وتحقيق النتائج المرجوة بشكل كامل.