إيناس احميدة
ليس مجرد اعتداء رقمي…وليس مجرد تحريض أو تشويه…ما تواجهه النساء اليوم عبر الفضاء الإلكتروني أبعد من ذلك بكثير..إنه محاولة لانتزاع أدوات وجودنا الأساسية…وجوهنا وأصواتنا وملامحنا، القدرة على التعبير، والحق في أن نُرى ويُسمع صوتنا كما نحن، لا كما يريد الآخرون أن نكون.
وجاء التقرير الصادر اليوم ليؤكد حجم الكارثة.
الأرقام التي كشف عنها ليست مجرد بيانات، بل شهادات صادمة على اتساع رقعة العنف الرقمي…حملات ممنهجة لتشويه النساء، استهداف لسمعتهن، نشر صورهن بطرق مسيئة، ورسائل تهديد تدفع الكثيرات إلى التراجع والتواري …نساء أُجبرن على الانسحاب من الفضاء العام، وأخريات تأثرت أسرهن نفسيًا واجتماعيًا بسبب هذا العنف الذي يضرب في العمق، يؤلم المرأة ويؤلم عائلتها معها.
إنها أرقام تقول لنا بوضوح: هناك من يريد إسكات النساء بأي ثمن.
فقد تحول وجه المرأة الأم و الأخت والزوجة إلى “عورة”، وصوتها إلى “خطر”، وصورتها إلى “تهديد”، تُسلب منها أهم وسيلة لتحقيق ذاتها.
فما الجدوى من الإنجاز إن مُنعنا من التعبير عنه؟ وما قيمة ما نقدمه للمجتمع إذا حوصرنا في الظل، وتقدم غيرنا باسمنا وصوتنا؟
لقد خلقنا الله بملامح تروي قصصنا، وبأصوات تحمل رسائلنا. نتواصل، نتفاعل، نُعطي الثقة، نظهر الحقيقة، ونقرّب الصورة للمتلقي. كل هذه المهارات ليست ترفًا؛ إنها جوهر العمل الإعلامي والحقوقي والمهني، وجوهر المشاركة في الحياة العامة.
ولأن العنف الرقمي يتغذّى على التخويف وإسكات الأصوات، علينا أن ننتبه…
التراجع أكبر هدية يمكن تقديمها لمرتكبي العنف.
فالفساد لاينتعش إلا في الخفاء. والفشل لا يعيش إلا في الظلام. و“كرسي المرأة بلا وجه” لا يضيف شيئًا للمؤسسة ولا للمجتمع. وجودنا يجب ألا يكون شكليًا، بل فعليًا، مرئيًا، ومؤثرًا.
نحن لسنا رقماً يمكن إخفاؤه، ولا اسماً يمكن التشكيك فيه.
نحن معلّمات يزرعن الوعي،
ومهندسات يشيّدن المستحيل،
وطبيبات يحمين الأرواح..وسيدات أعمال يحركن عجلة السوق..وكاتبات ومثقفات يضيئن الدروب…وصاحبات مشاريع ناجحة تعيل أسرا وتدير مؤسسات وتبني اقتصادا موازيا لا يُستهان به.
ما يحدث اليوم ليس استهدافا لامرأة واحدة، بل محاولة لجر المجتمع كله خطوة إلى الوراء.
ولذلك نقول بوضوح: لن نعود للمربع الأول.
لن نسمح لحملات الترويع أن تقتلع حقنا في الظهور.
ولن نترك فراغا في المقاعد التي انتزعناها بجهد ومعرفة وعرق.
لن يكون وجهي عورة.
لن يكون صوتي عورة.
هذه ليست معركة النساء فقط، بل معركة مجتمع يريد أن يرى، لا أن يعمى..أن يسمع، لا أن يصمت..أن يتقدّم، لا أن يتراجع وينحدر تحت صخب الواقع.
*تقرير رصد العنف الإلكتروني ضد المرأة في الانتخابات، الصادر عن المفوضية العليا للانتخابات.. أرقام صادمة وحقائق موجعة
منصة الصباح الصباح، منصة إخبارية رقمية