محمد الهادي الجزيري
اسمه فتحي النصري وهو من أهمّ شعراء تونس ..وديع صموت ..يجلس إليك فلا تكاد تتفطّن إلى وجوده إلا إذا انتبهت لوجوده ..، اعتاد دوما على مفاجأتنا بالجديد ..وها إنّه يصدر عن دار مسكيلياني للنشر ..كتابه المعنون ب ” صديقي رضا لينين ” ، كتاب نثريّ يسرد خلاله سيرته الذاتية وسير أخرى لبعض رفاقه وأصدقائه وما وقع لتونس من محن…
أوّل شيء باغتني به فتحي النصري هو أنّه ترعرع وشبّ في أماكن حميمة لي ..وأن يتعلّم في المدرسة القريبة من بيتي ..بل يكون من خريجي المعهد العلوي أين درست ..، كنت أحدس أنّه من جبل الجلود لأنّه كتب في القديم عنها قصيدة ..أذكر أنّ بطلها قطّ ..وكانت متميزة ..لفتت إليه عيون القرّاء والنقاد ..
يفتتح السرد بحيرة انتابته بسبب استبداد خيال رضا لينين به، ويبرّر القصّ المرتبط به أثناء تداخلات وفقرات الحكاية ..فكلّنا حكاية وتنتهي، وكيف تعرّف عليه في الجامعة التونسية أيّام كان رضا لينين خطيبا بارعا ..وجمعته به حلقات دراسية لحزب الوطنين الديمقراطيين وغيرها من المسائل طيلة سرد فتحي النصري لتفاصيل حياته ..ونقتطف لكم هذه المقطع الذي افتتح به حكاية الشاعر الجميل الذي أحبّه :
” لا أدري لماذا يستبدّ بي طيف صديقي رضا لينين هذه الأيام، ألأنّ اسمه طفا من جديد على صفحات التواصل الاجتماعي مقترنا باسم المترشح للرئاسة السيّد قيس سعيّد بصفته مديرا لحملته الانتخابية حسب ما قيل؟ فالروايات المتعدّدة بشأن إدارة هذه الحملة لم تخل من تضارب. لقد كان الأمر مفاجئا لي حقّا. فما الذي جمع الرجلين؟ ”
بصرف النظر عن تفاصيل كثيرة تهمّ حياته وجيله ( من يقرأ الكتاب يجدها ) فإنّ فتحي النصري انتصر للشعر وابتعد في صياغته عن النصّ المباشر التحريضي ..، وأجمل اعتراف له بما لمسه من ودّ وعطف من قبل وزير الثقافة الأسبق الأستاذ الأديب البشير بن سلامة ..ونفى عنه كلّ محاولة لجرّه للحقل السياسي الذي ينتمي له، وسنبقى أوفياء لهذا الرجل لما قدّمه لتونس وللمثقفين عموما، عمد الشاعر في هذا المتن السرديّ إلى تطعيم عدّة فقرات ببعض شعره ..ولا بدّ لنا من ترشّف القليل منه :
” ولكنّك الآن تمضي وحيدا
تماما كما جئت
تمضي إلى موتك المتسامق
يحدوك شعر الحنين الرومنسيّ
مرثية لوئيد الرؤى
هو شدو النعاة
وشجو الحداةِ
بيأس المحبّين نحن اجتلبناه في سلّة الأولينْ
وبيأس المحبّين نُنشده
سيقولون:( ورْدُ حنينْ )
ويقولون 😞 كفّارة عن ذنوب السنينْ )
وما يعلمون التآويلَ إلاّ قليلا ”
في الحقيقة ورّطني الشاعر في باطنه وذاكرته ..هواجسه وأفكاره، إذ أنّه رغم لجوءه إلى تقسيم الكتاب إلى أقسام ..وأطلق اسما أو عنوانا عليها ..فقد بعثرني معه وتركني أتعثّر بجملة ما ذكر من هموم وأوهام وعلل اجتماعية ونفسية ..، المهمّ أنّه أخلص لنفسه في كتابة هذا المتن المؤرخ لتونس وثورتها ..والسارد لسيرته الذاتية ..التي سأظلّ ذاكرا لأمرين مهمين وردا على لسان فتحي النصري ..في فقرات مختلفة ..، إكباره لوالده الذي أعطى وأعطى الكثير لكي يحميه ويرعاه ..وإخلاصه لوالدته التي كانت سببا رئيسا لنجاحه وتفوّقه في الدراسة والحياة ..
وفي ختام هذه الإطلالة على الكتاب ..أترككم مع الكلمة المطبوعة في ظهر الغلاف :
” أنا سيرة جيلي المعطوب
هل كان لا بدّ من تلك الرحلة الدّامية لينتهي المرء إلى حقائق بسيطة
كانت من البداية أمام ناظريه.
ربّما كانت مسيرة جيلي محكومة بعوائق البداية. ربّما كان ذلك قدره.ولكن لطالما أمَضّني أن أرى أجيالا لاحقة تنسج على المنوال نفسه وتكرّر التاريخ. “