في لحظة تاريخية فارقة، أطل ناطق رسمي جديد لكتائب القسام ليعلن ما وصفه مراقبون بـ “زلزال في الهيكل القيادي”، كاشفاً عن خسارة الجناح العسكري لحماس لثلة من أبرز عقوله العسكرية والتقنية والإعلامية في ضربة واحدة.
لم يكن الظهور الأول للناطق الجديد مجرد رسالة وفاء، بل كان جردة حساب مؤلمة لجيل “طوفان الأقصى” الذي صاغ معادلات المواجهة لأكثر من عقدين.
وفي التحليل الاستراتيجي لقائمة الأسماء التي نعتها الكتائب يكشف عن حجم الفراغ الذي خلفته الحرب، فنعي محمد السنوار (أبو إبراهيم)، قائد الأركان وخليفة محمد الضيف، يعني غياب المخطط الميداني لعملية السابع من أكتوبر والمهندس الأول للخطة الدفاعية التي أرهقت الجيش الإسرائيلي في أزقة غزة، وبجانبه، يأتي نعي رائد سعد (أبو معاذ)، قائد ركن التصنيع، ليمثل ضربة موجعة لمنظومة “الاكتفاء الذاتي” العسكري؛ الرجل الذي حول غزة من مستورد للسلاح إلى مصنع محلي للصواريخ والمسيرات التي اخترقت العمق الإسرائيلي.
ولعل الحدث الأكثر إثارة للجدل كان الكشف الرسمي عن هوية “أبو عبيدة”، الذي ترجل بعد عقدين من إدارة الحرب النفسية، الإعلان عن اسمه الحقيقي، حذيفة الكحلوت، يسدل الستار على أسطورة “الملثم” الذي كان يمثل الجبهة الإعلامية الصلبة والناقل لرسائل المقاومة للعالم. إن خسارة الكحلوت، جنباً إلى جنب مع قادة ألوية وازنين مثل محمد شبانة (قائد لواء رفح) وحكم العيسى، تضع حماس أمام تحدي “الجيل الثالث”؛ حيث يتعين على القيادة الجديدة ترميم جسدها العسكري والإعلامي تحت ضغط نيران مستمر.
رغم حجم الخسائر البشرية في صفوف “الصف الأول”، إلا أن خطاب الناطق الجديد حاول امتصاص الصدمة بتوجيه رسائل مكثفة لأهالي غزة في خيامهم وبيوتهم المتصدعة.
هذا الخطاب يعكس استراتيجية “الالتحام بالمصير”؛ حيث لم يعد القادة يديرون المعركة من مخابئ منعزلة، بل اختلطت دماؤهم بدماء عائلاتهم. يبقى التساؤل الاستراتيجي القادم: هل تنجح الدماء الجديدة في “إعادة تدوير” القوة العسكرية للكتائب، أم أن غياب “جيل المؤسسين” سيجبر الحركة على تغيير قواعد اللعبة السياسية والعسكرية؟
منصة الصباح الصباح، منصة إخبارية رقمية