منصة الصباح

 صحافة بلا قُرّاء

بدون سقف

بقلم / عبدالرزاق الداهش

کنت وعدد من الصحافيين العرب على حفل غذاء، بأحد مطاعم مدينة القاهرة، وكان إبراهيم نافع الذي يتولى يومها إدارة مؤسسة الأهرام، يهم بالخروج مبررا ذلك بموعد كتابة عموده اليومي بصحيفة الأهرام.

لم يدع زميل صحفي من مصر الفرصة تفوته دون تعليق ساخر عندما قال لي بأن عدد من يكتب لإبراهيم نافع، أكثر من عدد من يقرأ له .

لقد استدعت ذاكرتي الواقعة عندما وجدتني أمام سؤال ليس للفنتازيا : هل يجيء يوم يزيد فيه عدد کتاب الصحيفة عن عدد قرائها؟

قبل عقدين أدرجت مجلة التايم، عامل المطابع ضمن مشاريع العاطلين عن العمل، أسوة بساعي البريد، وسمسار العقارات، وحتى المعلم في المدرسة الثانوية ..

فساعي البريد لن يكون له مكان في وجود البريد الالكتروني، وسمسار العقارات سوف يفقد وظيفته أمام غابة من المكاتب التفاعلية التي تؤدي دوره بأقل كلفة وأكثر كفاءة، ومعلم الثانوية سيتراجع أمام المعلم الافتراضي، مع انتشار نمط التعليم عن بعده.

أما صاحبة الجلالة فسوف ترمي بعد رفقة عمر طويلة، الورق وحبر الطباعة في المتاحف.

ولعل الصحفي الأمريكي توماس فريدمان يضعنا أمام حقيقة مهمة، حين يقول لنا، بأنه لم يعد الآن زمن التفوق للأقوى، فقد صار التفوق للأسرع.

والسؤال هل ستفقد الصحافة علاقتها الحميمية مع القارئ مع تحولها من الحالة الصلبة إلى السائلة، على قول كاثرين فاينر رئيسة تحرير الغارديان الإنجليزية ؟

السؤال المهم فهو: كيف يمكن للصحافة أن تحافظ على بعض الحب (على الأقل) مع بعض القراءة

مشكلة الصحافة في ليبيا مشكلتان : الأولى هي التحدي الكبير الذي تشكله الصحافة الرقمية وخاصة التفاعلية الأكثر مشاركة، والأكثر تحديثا إلى جانب التحدي الأكبر من فضاء السوشيال ميديا، التي تحول فيها المواطن إلى صانع محتوى.

المشكلة الثانية ولعله الأصعب هي القارئ الليبي فهو قارئ سلبي، فالصحافة هي من تطارده، لا هو من يطاردها، وبيئة كهذه لن تنتعش الصحافة الصفراء، التي تتملق غرائزه، بدل أن تلبي فضوله المعرفي.

وإذا لم تستفق الصحافة الورقية لحقائق عصر الاتصالات بكل فتوحاته الهائلة، سيظل بقاؤها كمجرد حالة فلكلورية.

ولهذا لابد أن تتوقف الصحافة المكتوبة ما لا يتوفر عند غيرها، ولابد أن تقدم قيمة مضافة ليس من أجل البقاء، بل من أجل القراء.

شاهد أيضاً

كتاب “فتيان الزنك” حول الحرب والفقد والألم النفسي

خلود الفلاح لا تبث الحرب إلا الخوف والدمار والموت والمزيد من الضحايا.. تجربة الألم التي …