يشهد القطاع الصحي في ليبيا تراجعا في الخدمات الطبية المقدمة للمواطن في المستشفيات العامة من نقص في الأدوية والخدمات العلاجية الأخرى كالتصوير المقطعي والرنين وكذلك سوء إدارة المستشفيات وإنشغال معظم الاطباء الاستشاريين للعمل بالعيادات الخاصة مما يضطر المواطن للبحث عن الطبيب في المصحات وليس في المستشفى العام.
المصحات الخاصة استغلت سوء الخدمات العلاجية في المستشفيات فقدمت نفسها على أنها البديل والمنقذ عبر إعلانات ضخمة في كل مواقع التواصل الإجتماعي والإذاعات المسموعة والمرئية بوجود أفضل الاستشاريين في كافة التخصصات .وفي خطوة متقدمة بدأت المصحات بجلب أطباء من الخارج وكان من المفترض أن تقوم الدولة بذلك طالما أنها عاجزة عن تقديم أفضل الخدمات الصحية .فتكلفة العلاج وثمن الكشف المبدئي وأجرة العمليات في العيادات الخاصة للطبيب الزائر تفوق قدرة ذوي الدخل المحدود .
بعض الأطباء الاستشاريين الليبيين يقومون بالكشف على المرضى في عدد من الحجرات دفعة واحدة معدة خصيصا من قبل المصحة للمرور على المرضى في وقت قياسي على حساب دقة الكشوفات ويطلب الطبيب من المرضى سلسلة من التحاليل والصور شريطة أن تتم داخل المصحة ربما بطلب من المستثمرين لتغطية أجرة الطبيب وعندما يعجز المريض على دفع تكاليف الكشوفات والتحاليل يعود صاغرا إلى المستشفى العام والوقوف في طوابير العيادات الخارجية .
العيادات والمصحات الخاصة تغولت وتحولت إلى تجارة على حساب صحة المواطن إلى درجة أن بعضها تحتفظ بجثة الميت داخل ثلاجة المصحة إلى حين دفع مصاريف علاجه قبل وفاته دون احترام لآدميته أو احترام لشعور أهله وذويه في غياب شبه كامل لرقابة الدولة .
من المفارقات الغريبة في ظل غياب العدالة الإجتماعية فإن معظم موظفي الدولة في شركات القطاع العام والذين يتقاضون مرتبات عالية وحدهم دون غيرهم هم المشمولين بالتأمين الطبي بمعنى أن علاجهم يتم على حساب الدولة بينما يستثنى من ذلك موظفي القطاع العام من ذوي الدخل المتوسط والمحدود.
عندما يشهد معبر رأس جدير إزدحاما فهذا لا يعني أن المواطن العابر بزوجته وابنته في سيارته المتهالكة متوجها للسياحة في دولة تونس .فأغلبية العابرين متوجهون للعلاج أو المراجعة أو حتى لشراء الأدوية لعدم توفرها في الداخل خصوصا أدوية أمراض السرطان وهو مؤشر على سوء الخدمات الصحية في دولة غنية .
فإذا كان على رأس قطاع الصحة وزير مكلف وهو نائب رئيس الحكومة فمن يصلح الملح إذا الملح فسد ؟
……….سالم البرغوتي