جمال الزائدي
بدأت الحكاية منذ ما قبل اندلاع الحرب الاهلية في العام 1990 م .. عندما عمل الاستعمار البلجيكي متنسما خطى الألمان الذين سبقوه، عشية استقلال رواندا على استحداث سلطة محلية اوليغارشية من اقلية إقتصادية تمتهن تربية المواشي ” توتسي” لتحكم اغلبية من المزارعين ” الهوتو” ..
وبسبب هذا التمييز الاعتسافي المفتقر لأية مبررات عرقية في الواقع ، نشأت علاقة عداء وحقد متبادل بين المجموعتين أفضت في ذروة الحرب الأهلية إلى حدوث إحدى أبشع المذابح في التاريخ المعاصر كانت حصيلتها مايقرب من المليون قتيل حصدت رقابهم بالسواطير والفؤوس تحت أنظار قوات حفظ السلام الأممية وجنود من الجيش الفرنسي ..
بدخول مليشيا الجبهة الوطنية الرواندية بقيادة بول كاغامي إلى العاصمة كيغالي العام 1994 م كان شبح الموت يفرد جناحيه بأريحية مقززة على كافة مناحي الحياة في عاصمة تلك البلاد المنكوبة ..
كان عشرات الآلاف من الأطفال اليتامى يقاتلون كلاب وقطط الشوارع للحصول على فضلات الطعام في براميل القمامة..أمهات مكلومات يجبن الأحياء والطرقات بحثا عن أبناء وأزواج مفقودين .. رجال سكنهم اليأس والرغبة في الثأر و فقدوا الإحساس بالطمأنينة يتبادلون نظرات الحذر والشك..لقد سدت أبواب الأمل تماما أمام الجميع حتى ظن أكثر الروانديين تفاؤلا ان عودة الحياة إلى طبيعتها في البلاد سيستغرق قرونا ..
صباح اليوم التالي وفي الهام موفق قررت الحكومة الجديدة بقيادة كاغامي توظيف التجربة الوحشية القاسية التي مر بها الشعب الرواندي لفتح مسار للمصالحة الوطنية عبر إنشاء 12000 محكمة عرفية أو مايعرف بنظام القضاء المحلي ” جاكاكا” من اجل الحقيقة والغفران ..
في اقل من عشرين عاما قفزت رواندا المنكوبة من خانة الفقر والجوع إلى قائمة العشر دول الأكثر نموا في العالم..وارتفع متوسط العمر المتوقع إلى أكثر من ثلاثين بالمئة ..وفي فبراير 2019 أطلقت اول قمر صناعي لربط المدارس النائية بالإنترنت ..وانخفض معدل وفيات الرضع إلى النصف الأمر الذي وصفته ” يونيسيف” “واحدًا من أهم الأحداث في تاريخ البشرية”، على الإطلاق “..وسجلت أعلى نسبة للتعليم الإلزامي ..وكل ذلك حسب البنك الدولي مرتبط مباشرة بالقضاء المبرم على مظاهر وأسباب الفساد الحكومي ..
لقد حقق الروانديون معجزتهم واطلقوا صاروخ التنمية دون مساعدة بعثة أممية للدعم ودون حتى انتخابات في الواقع ..