منصة الصباح

شَيْخُ اْلحَيُ لَاَ يُقْنِعْ

باختصار

د. علي عاشور

يوم الجمعة يتنقل بعض الشباب في حيّنا من مسجد إلى آخر بحثاً عن شيخٍ أكثر علماً وفقهاً، أو لفصاحته وبلاغته، وقوة حجته وكمية معلوماته حول موضوع خطبته، بل إن بعضهم يقطع مسافة لا بأس بها قاصداً مسجداً معيناً بسبب أن شيخه يرتدي الزي التقليدي “الجرد الليبي” أثناء وجوده على المنبر.

أليس من الأفضل أن يؤدوا صلاة الجمعة في مسجد الحيّ؟ أليس اللقاء بالأقارب والأصدقاء والجيران من بين أبرز فوائد صلاة الجمعة في مسجد الحي؟ إذًا، ما الذي يدفع هؤلاء الشباب لهجر المسجد القريب من بيوتهم يوم الجمعة؟.

الخطيب الذي يفتقر إلى أدوات العمل الأساسية من فصاحة وبلاغة وعلم وفقه وثقافة ولغة الجسد، حتى المظهر، سيهجره المصلون واحداً تلو الآخر، فالفصاحة والبلاغة عنصران أساسيان في نجاح الخطيب في استقطاب الناس وجذب انتباههم، إذ أن الخطيب الذي يتمتع بقدرة على استخدام اللغة ببلاغة وفصاحة يستطيع أن يترك أثراً عميقاً في قلوب مستمعيه، ويستطيع أن يقنعهم ويؤثر فيهم.

لكن بعض خطباء مساجدنا يفتقرون إلى الكثير من مقومات الخطيب القوي المؤثر، فتجد بعضهم يعاني من ركاكة في لغته العربية نحوًا وصرفًا، بينما يظهر آخرون علامات الارتباك فور صعودهم إلى المنبر، فتراهم يتصببون عرقًا وهم يقرأون من الورقة التي أعدوها أو أعدت لهم، دون أن يقفوا في الأماكن المحددة للوقوف، في مشهد يضرب بالفصاحة والبلاغة عرض الحائط.
لذا، تجد أن هؤلاء الخطباء يعوضون هذا النقص الكبير في شخصيتهم كخطباء بالصراخ ورفع الصوت في غير محله، أو بتقليد مشايخ تأثروا بهم بعد أن شاهدوهم في قنوات فضائية غير ليبية، في مشهد يستوجب التوقف والتساؤل عن أسباب هذا الضعف، وهذا التقليد غير المبرر وغير المفيد في ذات الوقت.

كما أن لباس الخطيب وهيئته تلعبان دورًا حيويًا في نجاحه في مهمة التأثير، فالمظهر الخارجي للخطيب يعكس الكثير عن شخصيته واهتمامه بدوره كخطيب، ويترك انطباعًا أوليًا قويًا لدى الحضور، فعندما يظهر الخطيب بملابس معينة مختارة بعناية، فإن ذلك يعزز من احترام الجمهور له ويزيد من اهتمامهم بما يقوله، لاسيما وأن الصورة الذهنية للخطيب الليبي وهو على المنبر تستحضر اللباس الشعبي الليبي المتمثل في “الجرد الأبيض” مع الفرملة التي عادة ما تكون بألوان مختارة بعناية، مع ارتداء “المعرقة” البيضاء صيفًا، والكبوس والشنة السوداء أو الحمراء شتاءً.

أما الآن فقد أصبح الكثير من خطباء المساجد يرتدون ملابس ليست من بيئتنا الليبية؛ فتجد بعضهم يرتدي الجلابة المغربية، وآخرين يرتدون البشت الخليجي، والحال نفسه ينطبق على غطاء الرأس، فقد أصبحت القبعة البيضاء المشبكة وفوقها عمامة بيضاء خفيفة تسيطر على جزء كبير من المشهد، فيما أصبح الشيوخ الذين يرتدون الزي الليبي أقل في المدينة أو المنطقة الواحدة، ولا نعلم سبب هجران بعض مشايخنا وخطبائنا للزي الليبي التقليدي، مع أن صعود الخطيب إلى المنبر مرتديًا زيه الليبي يعطي شعورًا للحاضرين بالقرب النفسي والوجداني بين الخطيب والمخطوب فيهم، مما يساهم في بناء جسور متينة من الثقة، لاسيما فيما يتعلق بمصداقية الخطيب وقربه النفسي من الجالسين أمامه، ويقلل من الانحرافات البصرية للمصلين، ويجعل الحضور أكثر استعدادًا للاستماع إلى رسالته بشغف واهتمام.

 

شاهد أيضاً

اللجنة الوطنية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب تعقد اجتماعها برئاسة المحافظ المكلف

  عُقدت اللجنة الوطنية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، اليوم الخميس بمقر مصرف ليبيا المركزي …