منصة الصباح

شيخ النوّالين الحاج عبد الله الورّاق وسبعون عامًا من الحنين

تراث ..

فرج غيث

في الأزقة والحواري الضيقة بالمدينة القديمة بطرابلس ازدهرت صناعة وتجارة الأزياء التقليدية الليبية، التي توارثها الآباء عن الأجداد والذين بدورهم ورثوها لأبنائهم من بعدهم، صناعة يكتنفها الغموض وتحيط بها الأسرار ولا يعرف خباياه إلا أصحاب المهنة الذين يعرفون تلك الأسرار.

توجد اسواق مختلفة منها سوق الحرير، وسوق الصنعة الحرير والمعروفة بالفنيدقة، حيث تنسج هناك الأردية الحريرية، الخيط إلى الخيط لتشكل تلك المعزوفة الرائعة من الألوان، ورداء او حولي الحرير او حتى البرمبخ او الكتان، حكاية كبيرة، حكاية صناعة لها جذور راسخة لكن الكثير منا لا يعرف عنها شيء.

فهذه الصناعات التقليدية تعتبر جزء من التراث الليبي وهي العلاقة وحلقة الوصل بين الماضي والحاضر، وتعد هذه الصناعة بصفة عامة من أقدم الصناعات التي عرفتها البشرية، ومن ضمن الصناعات النسيجية في منطقة طرابلس صناعة غزل ونسج الحرير حيث اشتهرت المدينة بهذا النوع من النسيج ومنذ عهود مضت، وتتمثل هذه الحرفة بشكل خاص في نسج وحياكة ما يعرف محليا (بالأردية أو الحوالي الحريرية) والتي كانت ولا زالت اللباس التقليدي المميز للمرأة الليبية في كل الأوقات، وإن تراجع استخدامه في السنوات الأخيرة ليقتصر على شريحة معينة من النساء وضمن بعض المناسبات الاجتماعية، حيث ارتبط ببعضها هذا النوع من اللباس كمناسبات الأفراح والأعراس وغيرها، فخروج المرأة إلى الشارع بشكل كبير خلال العقدين السابقين لغرض الدراسة أولا ثم العمل فرض عليها التخلي عن هذا النوع من اللباس واستبداله باللباس الأوربي الموجود في السوق، وإن كانت تعود إلى لباسها التقليدي خلال المناسبات الخاصة (الأفراح والمناسبات الاجتماعية) إلا إني أرى إن هذه أيضا في طريقها إلى الاندثار، وذلك من خلال استبدال هذا النوع من اللباس التقليدي والذي يكلف عادة بألبسة أخرى مستوردة قد ندفع فيها نصف أو ربع الثمن، مما أدى في النهاية إلى ركود هذا النوع من الصناعات الجميلة وتدني مستوى الجودة فيها وبالتالي تدني أسعارها، حيث أن ثمن (الحولي الحرير) قد لا يسد قيمة المادة الخام التي صنع منها، فما بالك بثمن اليد العاملة، ولهذا فضل الكثير من الحرفيين ترك هذه الحرفة واستبدالها بأعمال أخرى، حيث شهدت في السنوات الأخيرة تدهورا ملحوظا ساهمت فيه العديد من العوامل، و تنقسم أهم الأزياء الليبية الشعبية المعروفة والمنتوجات النسيجية إلى: الأنسجة الصوفية، الأنسجة الحريرية، اللحـــــاف، الرداء أو الحولي (الردى)، ردي القطن.

الحاج عبدالله ابراهيم محمد الوراق قيّم جامع الناقة أحد أقدم الجوامع في ليبيا، من سكان المدينة القديمة طرابلس وأحد اعلام المدينة القديمة، (حوكي) وحرفي قديم ومن أمهر نساجي الحرير ومن رواد صناعة النول بطرابلس، صاحب أفخر أنواع الأردية الليبية التي تسمى (حب الرمان)، بدأ ممارسة هذه الحرفة منذ العام 1948م، وأستمر في ممارستها بكل حب وصدق لفترة زمنية وصلت إلى سبعين عامًا من العطاء والفن الحرفي الأصيل، وهي مصدر رزق لعائلته التي توارثتها، يعد يعتبر محل الحاج عبدالله الوراق (مشغل النول) من اقدم المحلات في المدينة القديمة، ومن أقدم من استمروا في العمل في مهنة النول، يقول: هذه المهنة صنعة مملة وصعبة، تحتاج للصبر ليتعلمها الانسان، لقد تعلمتها بالوراثة من الاجداد، تزوجت منها وفتحت منها بيت وزوجت ابنائي منها، كل ذكرياتي في خدمة النول، لأنها جزء مهم في حياتي.

من الحرفيين الذين احترفوا صناعة النول في طرابلس مجموعة بسيطة من الحرفيين، يكادون ينعدوا على اصابع اليد الواحدة، في السابق كانت الالة كل يوم تجهز حولي، مثل الدجاجة كل يوم بيضة اما اليوم تأخذ شهر وأكثر.

النول صناعة تقليدية كانت مرتبطة بأمانة ونقابة، الان أهملت ولا يوجد تشجيع للحرفيين، حيث أصبح كل شيء يستورد من الصين.

ولتسليط الضوء على الحاج عبدالله والتعريف بمأثر هذه المهنة أعدَّ وأخرج وأنتج المخرج والسيناريست نورالدين الرايس السيرة الذاتية للفنان وشيخ النوالين الحاج عبد الله الورّاق الذي تتبع فيه سيرة حرفة (النول)، والشريط بعنوان (سبعون عامًا من الحنين).

في ديسمبر من عام 2012م كنت اعمل على بحت لتوثيق مأثر الجوامع القديمة في المدينة القديمة بطرابلس، حيث جمعتني به جلسات مفيدة، وكان داعم كبير لي في هذا البحث، كان استقباله لي بكل حفاوة وبابتسامته المعهودة، وكان يشجعني بترديد جملة لازالت في أذني: أبحث وأجتهد بكل جد لأن الوضع تردى كثيرا يا فرج، ولم تعد هناك مصداقية في الكتابات، أصبحت أهواء، والمراجع شبه اختفت.

حقيقة لم أستغرب من صنيعه معي لأنه كان أحد الموسوعات الثقافية الكبرى في بلادي.

توفي الحاج عبدالله الوراق رحمه الله في 12 يناير 2014م، صلى عليه صلاة الجنازة في جامع الناقة، ودفن جثمانه الطاهر بعد صلاة العصر، اللهم اغفر له وارحمه.

 

شاهد أيضاً

المنفي يبحث عودة السفارة الصينية واستئناف عملها بطرابلس

  ناقش رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، عودة السفارة الصينية واستئناف عملها بالعاصمة طرابلس. جاء …