منصة الصباح

شروط المحبة

——محمود السوكني——–

العلاقات الإنسانية لها وجوه عدة ، وظروف نشأة تختلف من واحدة لأخرى ، بعضها قد تجبرنا روابط القربى على تحملها ومجاملة أصحابها مهما بدا منهم من تصرفات ، وأنا هنا أعني البعض وليس الكل ، وإن كانت مسيئة ومؤلمة وتحز في النفس ، ولكن صلة الرحم تظل هاجساً يحكمك ، ويدفعك للرضوخ وتحمل ما قد تنوء بحمله الجبال أحياناً ، وبعضها الآخر يتكوّن في مواقع الحياة على إختلافها من مراحل الدراسة إلى مواقع العمل إلى أماكن السكن أو مطارح الترفيه واللهو أو نقيضها ، كل هذه العلائق على إختلاف درجات أهميتها لا تتوثق صلاتها ولا تقوى وشائجها إذا لم ترق إلى مستوى “الصداقة” بين أصحابها ، والصداقة التي أعنيها تحكمها شروط قاسية تؤكد مصداقيتها ، أما الصداقة التي نرددها بمناسبة وبدون مناسبة فتلك مفردة أفرغت من محتواها ولم تعد تعكس الحالة التي أقصدها .

ليس كل من نعرفهم أصدقاء لنا وإن كانوا أقرب الأقارب ، فما داموا لم يرتبطوا معنا بصداقة فهم أقارب لهم منزلتهم واحترامهم كل حسب درجة القربي وما تفرضه من التزامات ، لكنهم يختلفوا عن أصدقائنا الحقيقيين ، حتى تتبدّل علاقة القربي بهم وتكتسب شروط الصداقة ، عندها ترتفع مستوی علاقة قربى الدم إلى علاقة قربى الروح وإرتباط القلوب وإتحاد المشاعر وتوافق الأحاسيس الذي هو أوثق من توافق المصالح والأهداف .

والصداقة قد تأتي بغتة وقد تنشأ للتو ، دون سابق ميعاد ، وبدون ترتيب ، ويحسب من يتابع فصولها إن لها دهراً من العمر ، فيما لم تبدأ إلا من وقت قصير جدا ، وهو ما يعني أن الصداقة الحقة لا يتم التحضير لها ، وإلا كانت عملاً تمثيلاً سخيفاً ينصرف عنه المشاهدون عندما تبدأ مشاهده الأولي ، لإفتقاره لصدق الأحساس لدى الممثلين !
الصداقة هي التي تسقط حسابات الربح والخسارة .. وهي التي ترتفع عن القشور وتتمسك بالجوهر .. الصداقة هي التي تؤمن بإختلاف وجهات النظر وتباين الأفكار ، ولكنها تعشق الحب وتقدسه وتعتمده أساساً للعلاقة ومفتاحاً لها ، ألم أقل لكم أن الصداقة أصعب مما نتصور !!.

شاهد أيضاً

زيادة الوزن وطريق الموت

مع شاهي العصر: توجد دولة في جنوب أمريكا اسمها بوليڤيا بها شارع يعد أخطر شارع …