منصة الصباح

شرفة على البحر لنافلة ذهب

نافذة

بقلم / محمد الهادي الجزيري

 

منذ سنة 1967 انخرطت بنادي القصة وانطلقت في طريقها الصعب ..، درب لا يسلكه إلاّ مهووس بالأدب والإبداع ، طافح بالصور والخيال..، وقد أثمرت رحلتها المضنية الشيّقة ستّ مجموعات قصصية أوّلها « أعمدة من دخان « الصادرة سنة 1979 وآخرها ما أهدتنا إيّاه منذ أيام قليلة ، وهو مجموعة أقاصيص اختارت لها اسم : شرفة على البحر، فشكرا لها على الهديّة القيّمة …

افتتحت نافلة ذهب السرد بقصة « شرفة على البحر ، حيث تعود بنا إلى عطلة الصيف وتتحدّث على لسان صبية تقضّي العطلة في كنف أبيها وأمها في البيت الصيفيّ الذي يقع في الضاحية الشمالية للعاصمة التونسية..، وتنطلق أحداث القصة بسرد ما يقع لعمّتها التي بلغت عقدها الخامس..من أحداث غير عاديّة مع رجل يبتسم نحوها وهي جالسة في شرفة تطلّ على البحر..، وأخيرا يتمّ إعلان البشرى :

« عمّتكم فوزية يا أولاد …ستتزّوج  ، وزوجها أخرس ..تماما كما عمّي رأفت..وتنغلق القصة على فكرة أنّ العمة تعيش حبّا صامتا ..وبتقديم التهانيّ الحارة…

في قصة « هيام خوليو ، تحدّثنا الساردة عن علاقة حبّ محمومة تربط خوليو بفاطمة ، شاعرة عربية خطفت لبّ هذا الفتى الأجنبي..وتنتهي القصة ب « كان مشغول البال بنقطة اسمها «فاطمة» وقد رحلت مثل حلم ..، وفي قصة « قاتل النمل « نرى كيف قضى القدر أنّ زوجة بطل الحكاية تحتاج دواء « يتطلّب إعداده كمّا هائلا من الحشرات، كالنمل ودود القزّ إلى غير ذلك..» المشكلة أنّه يكره هذه الزواحف منذ نعومة أظفاره، وقضّى طفولته وشبابه في القضاء عليه ( عندما يعثر عليه في المسالك بين الأعشاب والحصى ) وتُختم القصة بالعثور عليه « وقد جنّ الليل في حفرة قرب المسبح تكسوه دماء لزجة بها آثار قوائم رفيعة.. «…

شجرة النوم  أو الوارفة في الحديقة ..بأجوائها السريالية العجائبية..، لكم أعجبتني القصة وخاصة التسمية التي فازت بها الشجرة حين لم يعرفوها ..وكم من كائن حيّ راوده النوم حين تظلّل بها ..، ولكنّ الوالد اضطرّ إلى اقتلاعها وذرّ الملح مكانها حتّى لا تنبت بعد..،

« لقد نسي أبي أو تناسى ما قاله في شأن اقتلاع الأشجار، وما يجرّه من دمار إلى أهل الدار»…..

( يوم قائظ)  لعلّ ما يفسّر هذه القصة إصرار الكاتبة على عدم الحديث وترك المسألة كلّها في طيّ الكتمان ..، تحدّثني عن يوم قائظ وعن البحر وعن أمّها وعن أشغال البيت ..ثمّ تعوج في الحديث إلى سيارة وشخص غامض ..ثمّ تصرّ على عدم الإفصاح وهذا ما يعطي نكهة غامضة لأحداث القصة ..تقول في خاتمة القصة:

« سوف لن تعرفوا ما قررته يومها وكنت أسير باتّجاه البحر في ذلك اليوم القائظ والعرق ينبع من مسام بشرتي كما ينبع الماء من عين جارية البدلة الرياضية قصة أعادتني إلى نفسي..، لطالما حدّثت المجسّمات التّي أراها تزيّن واجهة المغازات وطالما تخيّلت ما تقوم به حين تُترك لوحدها في هدأة الدكان ..، على كلّ نجحت نافلة ذهب في التلبّس بإحدى المجسّمات وتمنّت أن تقوم بجولة في المدينة بعد يوم كامل من العمل والوقوف للزبائن المعجبين بما ترتديه ..ولكن يحول انقطاع التيار الكهربائي دون ذلك « أراد العودة من حيث انطلق غير أنّه لم يقدر، احتوته الظلمة .

تضمّ مجموعة « شرفة على البحر  اثنتي عشرة قصة وقد صدرت عن دار تبر الزمان، وما هذه القراءة السريعة إلاّ مصافحة منّي لسيدة منحت عمرها للكتابة .. وتعدّ من القامات الأدبية العربية …عسى أن أكون قد وُفقتُ في تقديمها لكم أيّها القرّاء.

شاهد أيضاً

كتاب “فتيان الزنك” حول الحرب والفقد والألم النفسي

خلود الفلاح لا تبث الحرب إلا الخوف والدمار والموت والمزيد من الضحايا.. تجربة الألم التي …